هكذا تحوّلت «الخيْمتان» من خطوة رمزيّةالى موقع للمقاومة داخل مزارع شبعا المحتلّة
كتبت مريم نسر في جريدة “الديار”
حقاً لم تعد «إسرائيل» كما كانت، الكيان الذي كان يُرعِب بات اليوم مرعوباً من حزب الله بكل ما للكلمة من معنى، بات يحتفظ بحق الرد ويلجأ للأمم المتحدة ويستجدي الوساطات، ويقصف الأطراف لحفظ ماء الوجه. واليوم بات يكذب على مستوطنيه ويخترع سيناريوهات خيالية يصنع من خلالها انتصارات وهمية..
بعد المسيّرة التي أسقطتها المقاومة، والتي تُعتبر إجراء بمثابة تَحوُّل بإمكانياتها في الدفاع الجوي، لناحية السيطرة الإلكترونية عليها وإسقاطها والعجز «الإسرائيلي» عن إسترجاعها، جاءت خطوة الخيْمتين كحدث تفاعَل معه الداخل «الإسرائيلي» بشكل أكبر، باعتباره أكثر خطورة، فهو بمثابة تحدٍّ كبير لهم لناحية أن المقاومة نصبت خِيَماً في منطقة سيادية داخل الخط الأزرق بالنسبة لهم، والأصعب أنهم يعجزون عن تفسير هذه الخطوة التي قام بها حزب الله. فخرْق السيادة بمفهومهم يَحدث للمرة الأولى، ويصعب السكوت عنه أمام الرأي العام، لكن العدو يعلم أن أي خطوة باتجاه الخِيَم سيقابلها رد فعل قد يدفع لمواجهة لا تُعرَف حدودها، هذه بمعادلة القوة التي تمنع العدو من اتخاذ أي خطوة قد تؤدي الى معركة، بالإضافة الى أن اللجوء للقانون الدولي ليس لصالحه أيضاً، لأن بالقانون تُعتبر هذه المنطقة محتلة.
فبعد أن شعر العدو بالعجز، بحث عن مَخرج ليحفظ ماء وجهه، فروّج لخبر كاذب، واحتفل بنصرٍ وهمي أراد من خلاله التعويض عن خسارته بقضية الخيْمتين، اللتين نصبتهما المقاومة داخل مزارع شبعا المحتلة، والذي شغّل وساطات العالم من أجل دفع حزب الله لإزالتهما ولم ينجح. فبعد كل محاولاته التي باءت بالفشل قرر نشر خبر أن حزب الله أزال خيمة واحدة، ونشر صوراً قديمة من حوالي ١٠ أيام أي قبل نصب الخيمة الثانية، ليكذب على الرأي العام عنده ويُخفي ضعفه أمامه، ويقول إنه دفع المقاومة للتراجع.
«الإسرائيلي» روّج إعلامياً لهذه الرواية بشكل كبير للرد على هجوم المعارضة الداخلية، التي اعتبرت أن موقف الجيش «الإسرائيلي» من الخيْمتين دليل ضعف وانهيار في قيادة نتنياهو.
هذا ما قاله العدو، لكن ما حصل هو أن بعد عمليات التجريف والإعتداءات المتكررة، والعبث بخط الإنسحاب والخط التقني الذي قامت به قوات الإحتلال وعدم جدوى الشكاوى المتكررة، بالإضافة الى ما فعلته أخيراً من عمليات جرف في تلال كفرشوبا الخارجة أصلاً عن خط الترسيم، قامت مجموعة من المقاومة الإسلامية بالتقدّم الى نقطة داخل الأراضي اللبنانية المحتلة، لها خصوصية لناحية موقعها في الإشراف على الحدود الفلسطينية، فنصبت الخيمة الأولى كنقطة رصد رمزية، بعدها نصبت الخيمة الثانية، وفي نفس الوقت كانت الأولى تتقدّم الى الأمام. خطوة استغربها «الإسرائيلي» فتوجّه بطلب للأمم المتحدة بالتدخل، فتقدّمت اليونيفل بطلب للجيش اللبناني بالتدخل، بعدها جاءت دورية تابعة للجيش وتحاورت مع مجاهدي المقاومة، وعادت بقناعة أن هذه المنطقة لا يشملها ترسيم الخط الأزرق، وهي أرض لبنانية خالصة، وأن المقاومة لم تقم بأي خرق يستدعي التدخل.
وبناء عليه، تؤكد المعطيات الميدانية، أنه لم يطرأ أي تغيير على مكان الخيْمتين، بعكس ما يُروِّج له إعلام العدو الذي يبحث عن إنجاز وهمي، لإطفاء حالة المزايدة والإحباط في الصراعات السياسية الداخلية..
فالمهم عند المقاومة هو تثبيت معادلات الميدان والبناء عليها بشكل تراكمي، لفرض أمر واقع يُوفِّر لها السيطرة الجغرافية والإشراف المعلوماتي والمرونة العملياتية في ميدان المواجهة.
إذاً، خيمتان تحوّلتا من خطوة رمزية الى موقع للمقاومة داخل مزارع شبعا المحتلة، نقلت الهاجس «الإسرائيلي» من رمزية الإجراء الى مخاطره الأمنية، لأن الطبيعة الجغرافية في تلك المنطقة تُصعِّب على «الإسرائيلي» أي عمل مباغت، باعتبار أن حركة الآليات شبه معدومة في الأماكن الوعرة، بالإضافة الى أن تسلل قوات المُشاة تحت الرصد.
وبهذا الإجراء تكون المقاومة فرضت معادلة جديدة ألا وهي: أي تقدّم «إسرائيلي» في أي نقطة بكفرشوبا ومزارع شبعا يُقابله تقدّم للمقاومة، التي تُراكم معادلات تصنعها بقوّتها..