الفراغ في المرافق العامة سبب لإنهيار الدولة
“افتتاحية اللواء”
لا يختلف اثنان على الإعتراف بأهمية المرافق العامة في حياتنا اليومية نظرا للخدمات الكبرى التي توفرها لنا هذه المرافق.
فالمرفق العام، إذاً هو ذلك النشاط الذي تقوم به الدولة بنفسها أو بواسطة أفراد عاديين ولكن تحت إشرافها وتوجيهاتها بقصد تحقيق المصلحة العامة للجميع.
إن أهم ميزة تميز المرفق العام هي أنه منشىء من الإدارة المركزية أو المحلية وبهدف تحقيق مصلحة عامة للناس والدولة معا وتحكم علاقتها مع الدولة قوانين مختلفة تمكن الدولة من إجراء رقابتها عليها.
ولهذا السبب نقول دائما إن الدستور كذلك القوانين تأبى الفراغ لأن الفراغ يؤدي الى شل عمل الرقابة على المرفق ويصبح متعذرا معرفة ما إذا كان هذا المرفق يحقق فعلا المصلحة العامة التي من أجلها أُنشىء، لذلك انطوى الدستور على حلول دستورية وقانونية واذا تعذر ذلك تولى الإجتهاد سد النقص.
فعلى سبيل المثال وعند شغور مركز رئاسة الجمهورية نص الدستور على ان الحكومة التي تكون موجودة وقت الشغور تتولى هي مركز رئيس الجمهورية بغض النظر عما اذا كانت هذه الحكومة مكتملة الأوصاف او مستقيلة، وسمح لها الدستور ان تصرِّف الأعمال بالقدر الضروري. وقد سمح لها العرف الدستوري الثابت بإتخاذ قرارات تتجاوز تصريف الأعمال شرط ان تمليها الضرورات ومصلحة الدولة العليا.
هذا على صعيد السلطة الإجرائية، أما على صعيد المرافق العامة الأخرى فالحل هو ذاته.
لقد نصت المادة الرابعة من قانون النظام الداخلي للمجلس الدستوري الذي هو من المرافق القضائية على أنه عند انتهاء ولاية أعضاء المجلس الدستوري يستمر هؤلاء الأعضاء في ممارسة أعمالهم التي هم معينون لأجلها الى ان يعين بدلاء عنهم وحلف اليمين، وإذا تناول الشغور مركز أحد الأعضاء فيعين بديلا عنه من الجهة التي عينت الأصيل، وهذا الحل مؤشر على ان لا فراغ في المرفق العام القضائي لأنه يقوم بضبط ومراقبة العملية التشريعية ويجب أن يستمر في مهمته.
من جهة أخرى وبما أن مصرف لبنان أو كما يُطلق عليه تسمية بنك البنوك تتألف إدارته من حاكم هو رأس السلطة النقدية المسؤول عن سلامة النقد الوطني والحفاظ عليه ومعه أربعة نواب منهم نائب أول يحق له وحده أن يشغل مركز الحاكم عند شغور هذا المركز وفقا لما نصت عليه المادة 25 من قانون النقد والتسليف.
إن من شروط التوكيل أن الوكيل لا يستطيع رفض التوكيل فإذا قرر عدم قبوله يكون قد أظهر رغبته بالإستقالة من منصبه وفي هذه الحالة يصبح مركز الحاكم شاغرا لأن النواب الثلاثة الآخرين لا يحق لهم في هذه الحالة ألحلول محل الحاكم.
وبما أن القانون لا يسمح بالفراغ في أي مرفق من المرافق العامة خاصة وإن المرفق المعني هو رأس السلطة النقدية في البلاد وإن على الحكومة أن تفتش عن الحل البديل، فليس ما يمنع هذه الحكومة ولو كانت حكومة تصريف أعمال من أن تعين حاكما جديدا لأن المصلحة العامة تستوجب ذلك طالما أن المشكلة ليست في صلاحيات واختصاصات الحاكم لأن هذه الصلاحيات منصوص عنها في قانون النقد والتسليف، وإنما المشكلة هي في طريقة إدارته للمصرف المركزي طيلة فترة تولِّيه منصبه.
أما في ما يتعلق بمرفقي العدالة والإدارة العامة فقد تضمن قانون القضاء العدلي وقانون الوظيفة العامة المرسوم 112/59 الآلية التي تُعتمد عندما يشغر مركز رئيس تسلسلي للوحدة القضائية او الإدارية. وعلى سبيل المثال نصت المادة 30 من قانون القضاء العدلي المتعلقة بالهيئة العامة لمحكمة التمييز على أنه اذا شغر مركز الرئيس الأول للهيئة فينوب عنه رئيس الغرفة الأعلى درجة، فإذا ما تساوت درجته مع آخر تكون الأرجحية لمن هو اقدم عهدا في القضاء، وإذا ما تساوت الأقدمية تكون الولاية للأكبر سناً.