ماذا لو استخدم حزب الله «قوّته» في السياسة؟!
كتبت مريم نسر في جريدة “الديار”
لم تقتصر ميزة حزب الله فقط على قدرته على فرض معادلات عسكرية وأمنية بوجه عدو، كان يُقال عن جيشه إنه لا يُقهر، وإنما بطرحه معادلات أخلاقية في الداخل اللبناني، تَحكم سلوكه السياسي وتجعله دائماً تحت ضغط مطالبات الجمهور والحلفاء، وهذا من أبرز ما تطرّق إليه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير.
كلام جاء في لحظة سياسية مُناسِبة، دفعت بالسيد نصرالله للعودة الى الوراء للتذكير بلحظة سياسية مُشابِهة «رئاسياً» ، عندما تحدّث عن الرسالة التي أرسلها للرئيس ميشال عون أثناء مفاوضات مؤتمر الدوحة، والتي تؤكد أن الآداء السياسي لحزب الله مُختلِف في مبادئه وأساليبه عن التصوّرات التي ترتسم في ذهن المتابعين من إعلاميين ومحللين في الحياة السياسية اللبنانية.
وعن تلك المرحلة أيضاً وحتى هذا اليوم ، هناك مَن يُصر على اتهام حزب الله باستخدام قوَّته بمرحلة انتخاب الجنرال ميشال عون رئيساً للجمهورية، لكن في الواقع ما استخدمه الحزب هو قوّة تمثيله السياسي وتحالفاته النيابية المبنية على الثقة والمصداقية، وليس على التهديد بالقوة التي يملكها.
ولدحض الإتهامات بالدليل والوقائع والمواقف حول إستفادة الحزب من فائض القوة في الداخل اللبناني، قالها السيد نصرالله بوضوح إن سلاح المقاومة هو لحماية لبنان ، وليس لفرض خيارات سياسية في الداخل، وبشكل أدق قال: نحن حملنا السلاح لنحمي المقاومة، لا لنفرض رئيساً للجمهورية…
ومن كثرة الحديث عن هذا الموضوع، طُرِح سؤال: لماذا يَحرص حزب الله على عدم استخدام رصيده وقوّته في المقاومة من أجل المكاسب السياسية؟ ولان القضية تتداخل فيها العناصر القيمية والأخلاقية والدينية مع التجربة والنضج والحكمة في العمل السياسي، وفي بيئة مُعقَّدة كالبيئة اللبنانية، كان لا بدّ أن تكون الإجابة عليه بدايةً بتحليل الخلفيات الثقافية والتاريخية للحزب ورؤيته الواقعية لمستقبله وصورته ونموذجه…
ففي الخلفية الثقافية، تقول مصادر مقربة من حزب الله، ينتمي حزب الله بحسب أدبياته وهويته السياسية، الى تجربة سياسية قديمة بدأت مع تأسيس أول دولة إسلامية في المدينة المنوّرة، وبلغت حدّ النضج بتجربة الإمام علي المؤسِّس الأول لفكرة المُعارَضة الإيجابية في فترة الخلفاء الثلاثة، لذلك فإن حزب الله لا يرى نفسه حزب سلطة ، ولا يرى نفسه حزب معارَضة، لأن حزب المعارضة في المدارس السياسية الحديثة يعمل دائماً على فضح عيوب السلطة وإفقادها الشرعية الشعبية، بهدف استلام السلطة على حطامها. فالحزب الذي تأسّس بهدف التحرير والحماية، لم يُشارِك في السلطة التنفيذية أصلاً رغم حضوره الشعبي واتساع دائرة تمثيله، وإنما شارك بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري والإنسحاب السوري من لبنان، بخلفية إعادة التوازن في السلطة وحماية ظهر المقاومة ومنع الإستدراج الرسمي لمواقف تُضِر بالسلم الأهلي، ولو تُرِك الخيار له، لمَارَس حزب الله دور المعارضة الإيجابية في التوجيه والضغط من خارج السلطة بضمان الحدّ الممكن من الإستقرار والعدالة الإجتماعية.
وبالعودة الى السؤال، ماذا يخسر حزب الله لو مارس العمل السياسي باستخدام قوّته وعلى طريقة أحزاب المعارضة السلبية؟ تجيب المصادر نفسها:
1- سيُلحِق حزب الله الضرر بمصداقية هويته المقاوِمة التي نشأ من أجلها، ومارس العمل السياسي من أجلها، ورفض الإغراءات الدولية من أجلها وصبَر على معاناة جمهوره وشكواهم من أجلها.
2 – إن نوعية القوة التي يملكها حزب الله يُمكِن أن تُحقِّق إنجازات في الميدان الذي يُشبهها، كتحرير الأرض وردع العدو والقضاء على الإرهاب، لكن السلاح والقوة التنظيمية والخبرات القتالية لا تؤدي النتائج المطلوبة في الميدان السياسي، القائم على توازنات يَشترك فيها الجميع على اختلافاتهم ، تحت مظلة نظام طائفي تملك كل مجموعة طائفية فيه قدرة على التعطيل ومنع الإصلاح.
3 – لو تم افتراض أن حزب الله استجاب للتصوّرات الشعبية، وتَصَرَّف طبقاً للهواجس التي يتّهمه بها خصومه واستخدم قوّته، فإن الخسارة الأولى ستقع على أعظم نموذج «مقاومة» في العصر الحديث، حين تنتقل من موقعها الأخلاقي المُلهِم الى الموقع الذي يتمناه العدو بضرب هذا النموذج، فحزب الله ليس مسؤولاً عن نجاح تجربته الخاصة فقط، بل يرى نفسه مُلزَماً بتقديم النموذج لحركات التحرّر والمقاومة في العالم.
4 – مِن خصائص البيئة الإستراتيجية التي مكّنت حزب الله من النجاح، هو حرية قراره السياسي وعدم تأثير أي طرف سياسي في لبنان بإستراتيجياته في المقاومة، وهذه الخصوصية الإستراتيجية تنتفي حين يكون حزب الله شريكاً أو يكون له شركاء مؤثِّرون في التوجّهات والقرارات، كما هو الحال في ميدان العمل السياسي في لبنان، وهذا الهامش الذي تحدّث عنه السيد نصرالله الذي رأى فيه مصلحة للبنان وللمقاومة.
5- إن صرف القوّة في المكاسب السياسية سيكون سبباً موضوعياً لتحشيد المُتضررين من هذا النفوذ السياسي ضد فكرة المقاومة، وبالتالي يُضحّي حزب الله بتجربة مقاومة ناجحة لصالح تجربة حُكم فاشلة.
إذاً.. لعلّها أجوبة واقعية للرد على سؤال واحد يتكرّر دائماً، تنفي اتهامات لطالما وُجِّهت لحزب الله في سياق الحملة عليه عن قصد أو غير قصد، لكن إذا دققنا بالممارسة، نرى أن كل ما يُقال هو محاولات دائمة لتشويه صورة مقاومة انتصرت على «إسرائيل»، وفشل العدو بكسرها في الميدان العسكري.