راديو الرقيب
خاص سلايدرمقالات مختارة

المحكمة العسكرية في عهد العميد خليل جابر: الإنسان أولاً

المحامي المتدرّج علي الموسوي

بكثير من الدقّة والحزم المشفوعين بالإبتسام عند الضرورة لترطيب المناخ القانوني السائد نتيجة مضامين الجرائم الجنحية والجنائية المعروضة على جدول المحاكمات على مدار ثلاثة أيّام على أقلّ تقدير في الأسبوع الواحد، يدير العميد الركن الإداري خليل جابر جلسات المحكمة العسكرية الدائمة التي يرأسها رسميًا منذ مطلع شهر نيسان ٢٠٢٣.
والإدارة بشكل عام، وسواء أكان لدى القضاء العدلي أم القضاء العسكري، ليست مجرّد ترؤس الهيئة والجلوس على قوس المحكمة، والإلتفات يمينًا ويسارًا واستخدام المطرقة لتعميم الإنصات والسكوت وتخفيف الأحاديث الجانبية لدى جمهور الحاضرين وما تثيره من ضجّة وتشويش، بل التمسك بالتواضع لإظهار الهيبة القادرة على تأمين الإستجواب الصحيح والمنطقي لمسار الدعوى بما فيها من واقعات، وذلك من أجل تكوين القناعة الممكنة لإصدار الحكم المناسب بتأنٍ وحكمة يكون الضمير الحيّ ثالثهما.

“أنسنة” القانون

وهذا ما يفعله العميد خليل جابر عن قناعة راسخة منذ تولّيه سدّة الرتبة القضائية للمرّة الأولى في مسيرته العسكرية، لأنّه مؤمن بأنّ “أنسنة” القانون أهمّ من القانون نفسه والذي وجد بدوره من أجل الإنسان، أيّ أن تصبّ المحاكمات والأحكام، قبل كلّ شيء، في مصلحة الإنسان والمجتمع عن طريق القانون الذي هو الوسيلة الفضلى لتحقيق الحماية الإجتماعية اللازمة ومقتضيات الأمن الإجتماعي السليم، وما ينشأ عنه من تثبيت لدعائم الدولة العادلة والقادرة.
وهذا التصرّف المطلوب والمرغوب ممن ولّي مسؤولية الحكم، زاد جرعات الإطمئنان والأمل لدى المحامين وموكّليهم المتهمّين والمدعى عليهم الموقوفين والمخلى سبيلهم والمتروكين، بأنّ الأحكام المنتظرة تُكْتَبُ بحبر العدالة الحقّة.
وقد أحدث وجود جابر تغييرًا نوعيًا في عمل المحكمة العسكرية يصبّ في مصلحة الإنسان والعدل المرجو أوّلًا وأخيرًا.
فتأخير البتّ بالملفّات ليس واردًا على الإطلاق، وإنْ اقتضت ظروف المحاكمة مثل هذا الإجراء الإضطراري لأمر خارج عن إرادة هيئة المحكمة، تمّ اللجوء إلى إخلاء السبيل حتّى ولو كان المتهم من عداد مجموعة إرهابية، ما دام القانون يتيح اتخاذ مثل هكذا قرار. وهذا ما حصل بالفعل مع نحو مائة شخص منضو في عداد مجموعات توسم بالإرهاب.
ولم يعد منطقيًا أن تتجاوز فترة التوقيف الإحتياطي المدّة المرتقبة للعقوبة السجنية حتّى ولو كان الشخص متهمًا بترويج المخدّرات.

التبليغات

ولم يعد التذرّع بعدم حصول التبليغات بالشكل القانوني الصحيح والسريع واردًا، إذ حثّ جابر رؤساء المخافر وخصوصًا في المناطق النائية والأرياف، على المبادرة فورًا إلى تنفيذ التبليغات المرسلة إليهم ضمن نطاق صلاحياتهم، قبل شهرين وربّما أكثر من موعد جلسات المحاكمات المحدّدة مسبقًا، وذلك لكي يحضر المدعى عليهم إلى المحكمة وإجراء المحاكمة بشكل اعتيادي.

إنذار وعقوبة

وأتبع جابر عملية الحثّ الكلامي، بإنذار رؤساء المخافر تحديدًا، بمحاكمتهم في حال التقاعس عن القيام بالدور المناط بهم قانونًا. وكلّ رئيس مخفر لا يجيب على التبليغ المرسل من المحكمة إليه لتنفيذه، يتمّ استدعاؤه إلى الحضور فورًا أمام المحكمة، وهذا الأمر يعتبر عقوبة في حدّ ذاته. إذ لم يعد مقبولًا أن تتأجّل المحاكمات وتطول في بعض الدعاوى نتيجة تمنّع أو تأخّر أو إهمال أو كسل الضابطة العدلية في إيصال التبليغات إلى أصحابها، أو “تمويتها” في الأدراج عن سابق إصرار وترصّد نتيجة اتفاق مسبق مع أصحاب العلاقة! فالعدالة الحقيقية لا تعترف بهذه الأساليب الملتوية.
والحثّ على الإسراع في إتمام التبليغات يصبّ في مصلحة الدفاع عن حقوق الإنسان، إذ قد يكون هنالك موقوف ما في ملفّ ما ويصبح مصيره مرتبطًا بحضور الشخص المطلوب تبليغه، لذلك فإنّه لا يمكن التغاضي عن حصول التبليغات بالصورة السريعة والفعلية، ولا يمكن لرئيس مخفر، رتيبًا كان أم ضابطًا، أن يستهزئ بمكانة المحكمة وهيبتها.

نقابتا المحامين

كما أنّ تغيّب المحامي بصورة مقصودة مرارًا وتكرارًا عن مواكبة موكّله سواء أكان موقوفًا أم من المخلى سبيلهم، في دعوى عالقة أمام المحكمة العسكرية، مرفوض لدى العميد جابر الذي لا يقف متفرّجًا إزاء هذا السلوك غير المحبّذ لديه وغير القانوني، بل يسارع إلى إبلاغ نقابتي المحامين في بيروت وطرابلس، بحسب انتماء المحامي إلى هذه أو تلك، بهذا الأمر لاتخاذ الإجراءات المناسبة بحقّه مع المطالبة بتكليف محام آخر مكانه، وذلك في سبيل تسيير عجلة الدعوى وعدم الإعتراف بتوقّفها القسري.
وإذا كان هذا المحامي موكلًا في الأصل بموجب معونة قضائية من إحدى نقابتي المحامين، فإنّ العميد جابر أعطى قرارًا صارمًا لقلم المحكمة العسكرية بعدم تسهيل ملفّاته الخاصة الموجودة أمام هذه المحكمة، إذ يفترض أن يتعامل المحامي بكلّ جدّية ومسؤولية مع كلّ الدعاوى سواء أكان يحمل وكالة فيها أو كلّف بها بفعل معونة قضائية.

صليبا الحاج

ويجري التنسيق في هذا الخصوص مع ممثّل نقابة المحامين في بيروت في المحكمة العسكرية المحامي صليبا الحاج الذي لا يتوانى عن تقديم العون لكلّ محام زميل متدرّج أو بلغ مرحلة الإستئناف، وهذا دأبه منذ أن وطأت قدماه أرض المحكمة العسكرية منذ مطلع تسعينيات القرن العشرين.
ولا ترد عبارة تأجيل أو إرجاء في ذهن العميد جابر، فهو حاضر لإنجاز المحاكمة بالشكل القانوني المناسب من حيث الاستجواب وسماع الشهود والمرافعات وإصدار الأحكام.
إنّ تسريع المحاكمات مطلب كلّ قاض ومحام وحقوقي ومدعى عليه ومتهم، وليس في هذا التسريع تسرّعًا على الإطلاق ما دامت المحاكمات تتمّ بما تتطلع إليه العدالة.

تسريع المحاكمات

وفي إطار تسريع المحاكمات، إستطاعت المحكمة العسكرية برئاسة العميد جابر أن تفصل في شهر أيّار 2023 وتحديدًا في الفترة الواقعة بين الأوّل من أيّار و31 منه ضمنًا، في 718 ملفًّا، وأن تبتّ في شهر حزيران 2023 وتحديدًا بين أوّله وآخره بـ 615 دعوى. وبلغ عدد الأحكام الصادرة في قضايا جنائية في شهر أيّار 63، فيما ارتفع هذا الرقم في شهر حزيران إلى 86. وبعض هذه الملفّات قديم ومتوارث من هيئات سابقة، كما أنّ بعضها يتعلّق بالإرهاب وبأشخاص لهم باع طويل في ممارسته والتورّط فيه مع منظّمات “داعش” و”النصرة” و”القاعدة”، مثل نعيم عباس(إسمه الحقيقي نعيم اسماعيل محمود)، وأحمد يوسف أمون، وعمر إبراهيم الأطرش، وخالد حبلص، وبعضها يتصل باستشهاد عسكريين من الجيش اللبناني.

الرحمة والمساعدة

وفي الإطار نفسه، يلحظ المحامون المداومون على الحضور اليومي إلى رحاب المحكمة العسكرية، أنّ جميع جلسات المحاكمة تأخذ طابع الرحمة والمساعدة في قرارات الفصل في الملفّات التي لا تكتمل الخصومة فيها، حيث تمّ فصل ما يقارب الأربعين ملفًّا وتعيين محامين موجودين في قاعة المحكمة لمساعدة المدعى عليهم على السير في ملفّاتهم دون إبطاء، وهذا هو الفعل الصحيح الذي يندرج ضمن حقوق الإنسان ويرغب في تحقيقه كلّ قاض شريف ومحام مسؤول وصاحب علاقة.

جرم الفرار

أمّا بخصوص فرار ضبّاط وعناصر من الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة لأسباب عديدة أبرزها الوضع الإقتصادي الصعب وانهيار العملة اللبنانية، فقد دأبت المحكمة العسكرية برئاسة العميد جابر على تنظيم جلسات خاصة بهم والنظر بوضعهم القانوني بشكل سريع بهدف مساعدتهم على الإنطلاق إلى مستقبل جديد.
وقد وصل عدد هؤلاء العسكريين في جلسات اليوم الواحد إلى مائتي عسكري، وتوجّت أغلبية هذه الأحكام بغرامات مالية ومن دون توقيفات.

ضغط العمل والحياة

كلّ هذا يفعله العميد جابر وأعضاء الهيئة الحاكمة معه من مستشار مدني وضبّاط على الرغم من الوضع المعيشي الصعب والضاغط على كلّ اللبنانيين وتدنّي الرواتب الشهرية إلى درجة أنّها لم تعد تساوي شيئًا إذا ما جرت مقارنتها مع متطلّبات العيش الهانئ والكريم، فضلًا عن ضغط العمل اليومي حيث تبدأ جلسات المحاكمات عند الساعة العاشرة من صباح كلّ يوم إثنين وأربعاء وجمعة، وتستمرّ في بعض الأحيان، إلى الساعة العاشرة ليلًا متوجّة بالأحكام.
وتجدر الإشارة إلى أنّ أوقات العمل في المحكمة العسكرية هي خمسة أيّام في الأسبوع، ثلاثة منها مخصّصة للمحاكمات دون احتساب جلسات فرار العسكريين، والباقي للبتّ في طلبات إخلاءات السبيل وتعيين مواعيد لجلسات المحاكمات العلنية، بما يسمح القانون ومن دون مسايرة هذا أو ذاك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock