السعوديون يقفلون أبوابهم؟!
كتب نبيه البرجي في جريدة “الديار”
ربما الصورة هكذا: تعثرت بين السعودية وايران فتدهورت في لبنان. دعوة الرعايا السعوديين (غير الموجودين أساساً) الى المغادرة الفورية بمثابة غسل اليدين من الملف اللبناني، والى حد توقع أن يغادر السفير وليد البخاري في وقت قريب.
هكذا يحدث، عادة، حين يغضب السعوديون من لبنان. ما يتناهى الى بعض المسؤولين عندنا أن مشاركة المملكة في اللجنة الخماسية كان بناء على الحاح الرئيس ايمانويل ماكرون، لاعتقادها الجازم بألاّ جدوى من لقاءات، ومن توصيات، تلك اللجنة لأن الايرانيين يريدون أن يبقى لبنان حلبة للصراع، أو ورقة للمساومة بينهم وبين الأميركيين الذين يريدون للبنان أن يبقى عالقاً بين البقاء واللابقاء، ظناً منهم أنهم بهذه الطريقة يجعلون “حزب الله” رهينة (أو ضحية) للخواء الداخلي.
السعوديون لم يقبلوا بوصول الجنرال ميشال عون الى قصر بعبدا، وقد دفع الرئيس سعد الحريري الثمن الباهظ لتلك الصفقة القاتلة (صفقة منتصف الليل في باريس مع جبران باسيل) والتي أعادته الى السراي. الآن، أخذوا علماً بأن الأميركيين لا يقبلون بسليمان فرنجية، وهم، تلقائياً، لا يقبلون ليس من أجل عيني سمير جعجع، وانما لمسائل تتعلق بمدى الدور السعودي في لبنان، بموازاة الحد من الدور الايراني (في سوريا أيضاً).
ولكن هناك من يرى أن كل هذا تفصيل هامشي. علينا قراءة ما وراء التصعيد الأميركي على مقربة من ايران بل وعلى أبوابها. ادارة جو بايدن لا تريد لاتفاق بكين بين السعودية وايران أن يتعدى حدود اعادة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين.
الادارة اذ وضعت الأمير محمد بن سلمان أمام هذا الخيار الصعب ؟ اما نحن أو ايران. والى حد دفع ورقة التطبيع مع اسرائيل الى الواجهة، مع محاولة اقناعه بأن آيات الله لن يتراجعوا قيد أنملة على المستوى الجيوسياسي، ومن اليمن الى لبنان، كما أن تدفق الاستثمارات السعودية، بوجه خاص، والخليجية بوجه خاص (وهذا الطرح الاسرائيلي أيضاً)، على ايران سيزيد من اندفاعها نحو تطوير امكاناتها في مجال التكنولوجيا العسكرية، بما في ذلك التكنولوجيا النووية، ما قد يشكل تهديداً وجوديا للبلدان العربية الخليجية.
من هنا كان فتح الأبواب السعودية أمام رجب طيب اردوغان، بديبلوماسية الثعبان، لعقد اتفاقات اقتصادية، ودفاعية، مع المملكة التي ستحصل على مسيّرات “بيرقدار” بعدما أثبتت فاعليتها في الحرب الروسية ـ الأوكرانية. بالأحرى في الحرب الأميركية ـ الروسية.
حيال هذا المشهد الضبابي، ثمة مؤشرات على أن لبنان أمام حلقة أخرى من حلقات الخراب، دون أن يبلغ ذلك حدود الانفجار لأن الادارة الأميركية التي تركز جهودها على كل من الشرق الأوروبي والشرق الآسيوي، لا تريد أي تفجير في الشرق الأوسط، كخاصرة حساسة للمصالح الاستراتيجية الأميركية؟
أقصى ما تستطيع المنظومة السياسية فعله، وهي في عنق الزجاجة، ان لم تكن في قعر الزجاجة، المراوحة. ولكن هل يمكن لتلك الأوليغارشيا التي أخفقت في ادارة الأزمة، أن تتولى ادارة الوضع الراهن دون مزيد من التدهور النقدي، والى حد تلاشي احتياطي المصرف المركزي، مع ما لذلك من تبعات أكثر من أن تكون كارثية في لبنان؟
أي خلاص مالي، بالتالي الخلاص السياسي، لا بد أن يكون لبلدان الخليج الدور الأكثر حساسية فيه. لكن ما حدث في الأيام القليلة الماضية يشي بأن بلدان مجلس التعاون أقفلت أبوابها، الواحدة تلو الأخرى، في وجه هذه الكوميديا اللبنانية، ودون أن تكون أحداث عين الحلوة، في حال من الأحوال، وراء طلب السعودية من رعاياها المغادرة لأن الأحداث في المخيم كانت محصورة في حيّز جغرافي محدد، ومحاصرة من قبل الجيش اللبناني.
ما حصل لسوريا يحصل في لبنان. كثيراً ما يعزى السبب الى المواجهة الأميركية ـ الايرانية. الجانبان لن ينتقلا الى ردهة المفاوضات قبل الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة خريف 2024. ربما قبل أن تضع الحرب في أوكرانيا أوزارها، وينجلي الوضع الدولي.
الى ذلك الحين، ليبق لبنان (وبطبيعة الحال سوريا) على طريق الجلجلة، لا بل أن البلدين معلقان ـ وعالقان ـ على الخشبة. لن نتجرأ على السؤال: متى النهاية…؟!