مأساة الطفلة لين: مفاجأة كبيرة في الجولة الرابعة من التحقيق
كتبت سمر يموت في “أساس ميديا”
قطعت قاضية التحقيق الأوّل في الشمال سمرندا نصّار شوطاً كبيراً في تحقيقاتها في قضية اغتصاب وقتل الطفلة لين طالب، التي عانت لأيام من مضاعفات صحّيّة كبيرة قبل وفاتها، نتيجة التهابات حادّة أصابت جسمها النحيل أدّت إلى تعطّل وظائف الأعضاء وانتهت بتوقّف قلبها وموتها، وستصدر قرارها الظنّي في القضية بعد ختم التحقيق وإبداء النيابة العامّة مطالعتها في الأساس.
تهتمّ القاضية نصّار بكلّ تفصيل في الملفّ، وتدقّق بكلّ معلومة ودليل يفيد التحقيق، وكلّ إفادة تعزّز الأدلّة المتوفّرة ضدّ المُرتكب ومن تواطأ معه من أفراد عائلته لطمس الحقيقة وإخفاء معالم الجريمة التي هزّت لبنان بأسره، لتكون معاقبة المرتكبين وإنزال أشدّ العقوبات بهم هما العزاء الذي يبرّد قلب المتألّمين لِما أصاب الضحيّة، ويريح لين في قبرها ويعوّضها ما عانته من ألم ونزيف واضطراب منذ لحظة اغتصابها إلى أن لفظت أنفاسها.
مفاجأة الجولة الرابعة من التحقيق
جرت الجولة الرابعة من التحقيق الاستنطاقي أمس الخميس الفائت في مكتب قاضية التحقيق الأول في قصر عدل طرابلس، واستمعت خلالها القاضية نصّار إلى إفادة شاهد رئيسي هو عنصر أمن في المفرزة القضائية في طرابلس وقريب للعائلة، وجرى التثبّت من بعض المعطيات التي أشارت إلى “مساعدته أهل الضحيّة في طمس الحقيقة وإخفائه أدلّة تفيد التحقيق”، وتبيّن وفق ما علم “أساس” من مصادر مطّلعة أنّه كان “بحكم علاقته بالعائلة يقوم بتقديم المساعدة للجهات الأمنيّة لتزويدها (بشكل غير رسميّ) بمعلومات أو أرقام هواتف لبعض الأشخاص”. وأكّدت المصادر أنّه “لو ثبت إخفاء الشاهد لأيّ معلومة أو طمس أيّ دليل لما كان تُرك رهن التحقيق من دون الادّعاء عليه”.
بانتظار استجماع مزيد من الأدلّة ومقاطعتها، حدّدت القاضية نصّار جلسة لمتابعة الاستجوابات يوم الخميس في 24 آب الجاري، خصّصتها للاستماع إلى شاهدين لشرح تقريرين علميَّين موجودين في التحقيق، بعدما أنهت استجواب المدّعى عليهم الأربعة والدة الطفلة لين طالب ووالديها (جدَّي لين) وشقيقها (الخال). وكشفت المصادر أنّ “ثمّة أدلّة علمية وتقنية وداتا اتصالات إضافيّة تنتظرها نصّار لتعزّز الأدلّة بشكل قاطع، وستعمد إلى إجراء مقابلات بين بعض المدّعى عليهم والشهود، فيما لو توفّرت معطيات تستلزم ذلك”. وشدّدت على أنّ “إنكار أفراد العائلة للجرائم المنسوبة إليهم لا يؤثّر على سير العدالة، فالقاضية ستستند إلى الأدلّة العلمية والبراهين التي تعزّز الشبهة قبل الظنّ بالمدّعى عليهم”.
التحقيقات تؤكّد رواية “أساس”
موقع “أساس” كان أوّل من كشف الأسبوع الماضي أنّ القاضية نصّار فكّكت خيوط الجريمة ووجّهت أصابع الاتهام نحو خال الضحية المدعوّ نادر بو خليل (26 عاماً) لقيامه باغتصاب ابنة شقيقته في حمّام منزله، وقطعت الشكّ باليقين، بعد تحديد ساعة وقوع جرم الاغتصاب والموقع الجغرافي للخال، وورود نتائج فحوصات الـDNA لعينات أُخذت من الملابس الداخلية للطفلة التي أثبتت تطابقها مع فحوصات الخال المشتبه به، وعند مواجهته بذلك زعم أنّ آثاراً من جسمه علقت على ثياب الطفلة حين حملها إلى المستشفى، فيما بيّنت التحقيقات أنّ الخال لم ينقل ابنة أخته إلى المستشفى وإنّما من فعل ذلك هو عمّ والدتها وزوجته، وأنّه بعد ارتكاب فعلته وتدهور حال الطفلة الصحّي كان يراقب عن بُعد ما يحصل، ويتعاون مع شقيقته ووالديه (أمّ الطفلة وجدّيها) على طمس معالم الجريمة من خلال غسل شراشف الفراش التي امتلأت بدم الطفلة التي كانت تنزف من فمها وأنفها، قبل أن يتمّ نقلها إلى المستشفى بعد نحو خمس ساعات.
لم يفلح الخال المشتبه به في تبرير الخدوش التي تركتها الضحيّة على رقبته، إذ زعم أنّها جرحته عندما كانت تعاني سكرات الموت قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة. ولم يستطع تبرير وجود قميص الضحيّة في بيته والعثور على صور أطفال في هاتفه. هذا وأفادت مصادر مطّلعة على التحقيق في حديث إلى “أساس” أنّ الخال “استغلّ وجود ابنة شقيقته معه بمفرده في البيت، بعدما وضعت زوجته مولودها الأوّل في المستشفى وانتقلت للاستراحة في منزل حمويها (أهل نادر) الذي يقع تحت منزله مباشرة، وأقدم على اغتصاب الطفلة داخل الحمّام، فصارت تخشى دخول المرحاض وبقيت على هذا الحال لخمسة أيام قبل وفاتها، وكانت تُصاب بنوباتٍ عصبية كلّما عرضت عليها والدتها قضاء حاجتها وتصرخ وتبكي على بابه، ثمّ امتنعت عن تناول الطعام والشراب إلى أن ارتفعت حرارتها بشكلٍ حادّ، وهو ما أدّى إلى تسمّم جسمها كلّه وتوقّف وظائف الكلى والكبد ثمّ القلب. وقد تبيّن أنّ حرارة جسمها بقيت مرتفعة حتى بعد الوفاة بالغة 40.5”.
أكثر ما يثير الصدمة في القضية، وما عزّز الشبهات في تواطؤ جميع أفراد العائلة على الضحيّة البريئة، الذي دفع القاضية نصّار إلى الادّعاء عليهم بتهمة القتل، هو أنّه فور معرفة أفراد العائلة بوفاة ابنتهم عمدوا إلى نشر صور لها على مجموعات “الواتساب” ينعونها ويزعمون أنّها ماتت جرّاء صدمها بسيارة، وهو ما حتّم تحويل الادّعاء ضدّ الوالدة وجدّي الطفلة من جرم “كتم معلومات والتسبّب بوفاة” إلى توصيف جرمي جديد هو “القتل القصدي”، وذلك سنداً للمادّة 547 من قانون العقوبات التي تصل عقوبتها إلى الأشغال الشاقّة 20 سنة.
تجزم المعطيات والأدلّة المتوفّرة حتى الآن تواطؤ عائلة الضحيّة وتقاعسها عن إعطاء العلاج اللازم للطفلة التي بعد تدهور صحّتها حُملت إلى أحد أطبّاء الأطفال، الذي عاينها وأبلغ ذويها بأنّ وضعها الصحّي خطير يستوجب نقلها إلى المستشفى فوراً، فلم يمتثلوا لتحذيراته وأصرّوا عليه أن يصف لها بعض الأدوية المسكّنة، ثمّ نقلوها إلى أحد رجال الدين الذي بدأ يعالجها بآيات من القرآن الكريم “لطرد الجنّ منها”. لم يتوقّف إهمال العائلة عند هذا الحدّ، بل عمدت إلى وضعها في مغاطس تقليدية (ماء وملح) زادت من نسبة الالتهابات في جسدها. وقد ساءت حالتها يوم وفاتها حين بدأت تتقيّأ دماً عند الساعة الثالثة فجراً، أي قبل خمس ساعات من وفاتها، وتُركت على هذا الحال إلى أن توفّيت عند الساعة الثامنة صباحاً، فتمّ نقلها حينها إلى المستشفى من قبل عمّ الوالدة وزوجته.