منصّة الحفر المنتظرة تصل غداً الى مرفأ بيروت… و”توتال” اختارت الموقع الأنسب للحفر في “قانا”
كتبت دوللي بشعلاني في جريدة “الديار”
تشخص الأنظار الى منصّة الحفر “ترانس أوشن بارنتس”، التي تصل الى المياه الإقليمية اللبنانية، بحسب المعلومات، غداً الأربعاء والتي كان رُصد مسارها أمس بين تركيا ومصر. وبعد وصول باخرة التنقيب الى القاعدة اللوجيستية في مرفأ بيروت، يُنتظر أن تبدأ عملية الحفر في مطلع أيلول المقبل، بعد إجراء التجهيزات كافة. فما هي الخطوات التي ستُتبع وصولاً الى إعلان نتائج الحفر، وما يليها؟
مصادر سياسية مطّلعة متابعة أكّدت لجريدة “الديار” أنّ بدء عملية الحفر متوقّعة خلال أسبوعين، وهي تشمل البئر الاستكشافية الأولى في حقل “قانا” الذي يقع في البلوك 9 (والثاني في لبنان، بعد حفر البئر الأولى في البلوك 4 في العام 2020). وأشارت الى أنّه بعض وصول باخرة الحفر الى مرفأ بيروت، سوف تنتقل الى الموقع المحدّد لها قريباً من البئر التي سيجري التنقيب فيها في البلوك 9 في المياه الاقتصادية الخالصة اللبنانية.
ومن القاعدة االوجيستية القائمة في مرفأ بيروت، على ما أضافت المصادر، والتي هي النقطة المركزية، ستجري عملية نقل الأشخاص والمعدات اللوجيستية الى مكان الحفر التي تبعد عن المرفأ مسافة تصل الى نحو 130 كلم، وبضعة كيلومترات عن الخط 23 الذي نصّت عليه “إتفاقية ترسيم الحدود البحرية”. على أن يتمّ نقل الأشخاص بالطوّافات (وهناك طوّافتان ستقوم بهذه المهمة، وتقدّم هذه الخدمة “غولف هليكوبترز القطرية”)، ما يجعلهم يصلون الى الموقع في خلال ساعة من الوقت. في حين أنّ المعدات اللوجيستية ستُنقل بقوارب صغيرة ويستلزم وصولها الى الموقع بين 5 و9 ساعات، ما يعني أنّ هناك عملية لوجيستية كبيرة تحتاج الى دعم متعدّد. وكانت شركة “توتال” قد أجرت العديد من المناقصات والتلزيمات خلال الأشهر القليلة الماضية لبعض الشركات، ووقّعت العقود معها للقيام بهذه الخدمات من تأمين الطوّافات والقوارب الصغيرة والفيول وما الى ذلك..
أمّا مكان الحفر في حقل “قانا” فحدّدته “توتال”، وفق المصادر نفسها، بعد دراسات معمّقة وتحاليل عديدة على مدى السنوات الماضية. وقد اختارت موقع البئر الستشكافية الذي ستبدأ الحَفر فيها خلال أسبوعين، في المكان الأنسب في البلوك 9، والذي لم يكن متاحاً الحفر فيه قبل توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و “إسرائيل”. فلولا هذه الاتفاقية، لكان الحفر سيحصل أولاً في مكمن آخر في البلوك 9، ونسبة نجاحه أقلّ من حقل “قانا” المحتمل. وهذا يعني أنّ الاتفاقية حسّنت من فرص النجاح، أي إمكان حصول اكتشافات في المكمن المحدّد.
كذلك فإنّ الاتفاقية، على ما تابعت المصادر، أوصلت لبنان الى عملية الحفر التي لم تكن ممكنة قبلها، نظراً للضغوطات السياسية التي كانت تُمارس على الشركات لعدم العمل في البلوكات اللبنانية، رغم حصولها على الترخيص. وهذه الضغوطات انتهت مع وضع الضوابط التي فُرضت على العدو، أي أن يسمح للشركات بالاستكشاف والتنقيب في المياه اللبنانية مقابل تأمين حدود ثابتة وآمنة تتيح له استكمال استثماراته في حقل “كاريش” كما في البلوكات الأخرى المحاذية. فالجميع يعلم بأنّ الشركات لا تعمل ضمن أي مخاطر أمنية محتملة، وأمن الطاقة الإسرائيلي مهدّد في حال قام بتهديد لبنان بثرواته النفطية.
ويُفترض أن تمتدّ عملية الحفر، بحسب العقد، الى شهرين ونصف، على ما أوضحت المصادر عينها، ما يعني أنّ النتائج ستُعلن في أوائل تشرين الثاني المقبل أو قبل ذلك بقليل، إمّا عن وجود اكتشافات بكميات قليلة أو تجارية، أو عدم وجود أي اكتشافات.
وتقول المصادر انّ التفاؤل قائم عن إمكان التوصّل الى إكتشاف كميات من الغاز والنفط بكميات تجارية، غير أنّه “تفاؤل حذِر” إذ لا يمكننا منذ الآن، توقّع النتيجة. ولهذا علينا انتظار وترقّب بدء عملية الحفر، وما سيصدر عن الشركة تِباعاً خلال هذه العملية، والنتائج التي ستُعلنها بالتالي عند الانتهاء من هذه العملية. فلا يمكننا منذ الآن الحديث عن اكتشافات قبل أن تصبح الحفّارة على تماس مع الطبقات الجيولوجية للبئر وتختبرها. ورغم أنّ حقل “كاريش” (الذي يتمّ تطويره وإنتاجه منذ أشهر عديدة) يبعد عن موقع حفر البئر نحو 10 كلم، غير أنّه لا يمكننا القول إنّ الامتداد الجيولوجي في هذه المسافة يصل الى الحقل اللبناني. فثمّة مؤشّرات إيجابية تتحدّث عن وجود تشابه جيولوجي مرتفع بين حقلي “قانا” و”كاريش”، ولكن خصائص “المكمن المحتمل” لا يمكن معرفتها قبل البدء بعملية الحفر. لهذا يجب أن يكون تفاؤلنا حذراً في هذا الأمر، مع الأمل في وجود اكتشافات واعِدة بعد انتهاء الحفر.
وبرأي المصادر، أنّ الوقت لا يسمح للدولة اللبنانية بهدره، فثمّة 3 سنوات مضت بين حفر البئر الأولى في البلوك 4، والبئر الأولى اليوم في البلوك 9. وقد كانت دورة التراخيص الأولى قد أُطلقت في العام 2013 طبقاً لمواد قانون الموارد البترولية في المياه البحرية (132/2010)، ومرسوم الأنظمة والقواعد المتعلّقة بالأنشطة البترولية (10289/2013). ما يعني أنّه استلزم الدولة 13 عاماً لحفر بئرين. في حين أنّ المطلوب اليوم الإسراع في التلزيمات والاكتشافات التي يمكن أن تجعل لبنان من بين الدول التي تكتشف وتُطوّر وتُنتج الغاز والنفط في المرحلة المقبلة (أي في الـ 50 أو الـ 60 سنة المقبلة)، قبل أن يُصبح هناك عهد “طاقة أخرى”.
أمّا إذا جاءت النتائج مشابهة لنتائج الحفر في البلوك 4، فترى المصادر أنّه إذا تبيّن أنّه ليس هناك من اكتشاف للغاز أو النفط، فلن نُصاب بالإحباط لأنّ علم الجيولوجيا واسِع ومتشعّب. وعلينا عندئذ دراسة الأسباب التي أدّت الى الفشل، وتطوير النموذج الجيولوجي لفهم الأعماق أكثر، لا سيما وأنّ عملية الحفر تجري في “المياه العميقة”. ومن ثمّ علينا تحديد موقع البئر المقبلة الذي يمكن أن يتمّ فيها تحقيق النجاح والتوصّل الى اكتشافات للغاز والنفط.
وذكرت المصادر بأنّ فترة الاستكشاف تمتدّ على مرحلتين: الأولى مدّتها ثلاث سنوات، والثانية سنتان وقد يضاف اليها سنة واحدة بقرار من وزير الطاقة في حال دعت الحاجة الى استكمال الأعمال. وهذا يعني أنّ الاستكشاف في البلوك 9 يمكن أن يستمرّ في المرحلة الأولى على مدى 3 سنوات، تنتهي في أيّار من العام 2025 (إذ جرى تمديد المدّة في مجلس النوّاب بسبب وباء كورونا). ولهذا فإنّ الحفر في البئر الاستكشافية في البلوك 9 يكتسي أهمية بالغة كونه، من جهة أولى، سيريح لبنان في حال جرى اكتشاف كميات تجارية من الغاز والنفط، ومن جهة ثانية، سيجلب شركات أخرى لتقديم طلبات الإشتراك في دورة التراخيص الثانية التي مُددت مهلتها حتى 2 تشرين الأول المقبل، لتلزيم البلوكات الثمانية المتبقية.