راديو الرقيب
خاص سلايدرمقالات مختارة

“طوفان الأقصى” أثقلَ كاهل الاقتصاد العالمي بأعباء جديدة

الديار- د. بادية سرور:

من البديهي أن يتأثر اقتصاد الدول سلباً في حالة الحرب، فالحديث عن تداعيات “طوفان الأقصى” و”السيوف الحديدية” على اقتصاد كلّ من قطاع غزة و”إسرائيل”، أمر لا مفرّ منه، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، ما مدى تأثير هذه الحرب على اقتصاد الدول المجاورة لها بشكل خاص، والاقتصاد العالمي بشكل عام؟

منذ الساعات الأولى لعملية “طوفان الأقصى”، حاول القادة الماليون العالميون، والخبراء الاقتصاديون، والمؤسسات المختصة بالدراسات الاقتصادية والمالية العالمية، استشراف المستقبل الاقتصادي للشرق الأوسط والعالم، وأجمعوا على أنّ اقتصاديات العالم ستتأثر سلباً من الحرب على غزة، بسبب حالة عدم اليقين حول ما ستؤول إليه تطورات الحرب خلال الفترة المقبلة.

وتماشياً مع ما تمّ ذكره، نشرت وكالة “بلومبيرغ” الأميركية، تقريراً يتعلق بالتأثير المحتمل للحرب على الاقتصاد العالمي، متوقعة ارتفاع أسعار النفط، ومعدلات التضخم، إضافة إلى تباطؤ في النمو العالمي، بنسب متفاوتة، معتبرة أنّ حدة الأزمة الاقتصادية تعتمد على تطورات الحرب على غزة وتمدّدها، ودخول قوى جديدة بصورة مباشرة أو غير مباشرة، خلال الفترة المقبلة، بعبارة أخرى، كلما اتسع نطاق الحرب، أثقلَ كاهل الاقتصاد العالمي بأعباء جديدة.

ومن هذا المنطلق، هناك ثلاثة سيناريوات لتطور الحرب، ستؤثر على الاقتصاد العالمي:

السيناريو الأول: استمرار رقعة الصراع محدودة بقطاع غزة

إذا انحصرت الحرب على قطاع غزة، فالأثر على الاقتصاد العالمي سيكون محدوداً، وسيبقى الوضع على ما هو عليه مع تداعيات إضافية، خصوصاً إذا تجاوزت مدّتها أكثر من ستة أشهر، حسب بعض التقديرات.

وجدير بالذكر، منذ بدء الحرب على غزة، تكبّد الاقتصاد العالمي بشكل عام، واقتصاد الدول المجاورة بشكل خاص، خسائر بنسب متفاوتة، أهمّها:

1 ـ ارتفاع أسعار النفط بنسبة 6%، في حين أنّ أسعار السلع الزراعية وأغلب المعادن “لم تتحرك إلا قليلا”.

2 ـ قفزت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا بنحو 30%، بعدما علق الإنتاج في حقل “تمار”، مما انعكس على صادرات مصر من الغاز الطبيعي المُسال إلى أوروبا، وتستورد مصر من “إسرائيل”، منذ كانون الثاني 2020، الغاز الطبيعي عبر الأنابيب من حقلي “ليفياثان” و”تمار” وتعيد تصديره مُسالاً مع الغاز الذي تستخرجه من الحقول المصرية إلى أوروبا، وفق الاتفاق بين الطرفين.

3 ـ صعود أسعار الذهب بأكثر من 9%، لتكسر الأونصة حاجز 2000 دولار، مع إقبال المستثمرين عليها، كونها تعتبر من أصول الملاذ الآمن.

4 ـ تضرّر قطاع السياحة في مصر، والأردن، ولبنان، والذي يُعتبر عصب الاقتصاد في هذه الدول، إضافة الى تراجع السندات الحكومية المقوّمة بالدولار فيها، بعدما شهدت موجة بيع واسعة النطاق في المنطقة، وأدت زيادة فارق علاوة أخطار الاستثمار إلى توقف محادثات إعادة هيكلة ديون لبنان الذي تخلّف عن سداد ديونه (أفلس تقنياً) في عام 2020، أما أسواق سندات الدين الأكثر تضرّراً من الحرب القائمة، كانت من نصيب مصر والأردن، بعد زيادة علاوة أخطار الاستثمار في سندات الدين الدولارية، لذلك، تعتبر هذه الدول من أكثر البلدان المجاورة تضرّراً من الحرب القائمة.

ثانياً: توسع رقعة الصراع لتطال دول أخرى مثل لبنان وسوريا وإيران واليمن

يبقى السيناريو الأقلّ احتمالاً، والأخطر على الاقتصاد العالمي، ومن آثاره المحتملة، قفز سعر النفط بنحو 75% لما كانت عليه قبل عملية “طوفان الأقصى”، لتصل إلى 150 دولاراً للبرميل، حسب تقديرات “بلومبيرغ”، وهذا أمر منطقي اذا اندلعت الحرب في منطقة تعتبر موطناً لكبار منتجي النفط، وممرّ شحن رئيسياً يربط بين منطقة الشرق الأوسط ودول العالم، عبر مضيقي هرمز وباب المندب، وقناة السويس، والتي تعتبر من أهمّ الممرات البحرية في العالم.

وتتجلى أهمية مضيق هرمز، على سبيل المثال، في كون نحو خمس استهلاك العالم من النفط يمرّ عبره يومياً، كما يمرّ نحو 20% من تدفقات الغاز الطبيعي المُسال العالمية سنوياً، وقد هدّدت طهران مراراً بإغلاقه في حال القيام بعمل عسكري أميركي في المنطقة.

وخلاصة القول، إنّ تباطؤ حركة التجارة العالمية عبر ممرات المنطقة، وارتفاع أسعار الغاز، وحدوث صدمة حادة في أسعار النفط، ليصل سعر البرميل الى 150 دولاراً، إضافة الى تراجع حركة السياحة، يمكن أن تؤدّي إلى آثار اقتصادية كارثية عابرة للقارات، أخطرها:

1 ـ تراجع معدل نمو التدفقات المالية والاستثمارية سواء الداخلة إلى المنطقة أو الخارجة منها.

2 ـ انخفاض معدل النمو العالمي إلى 1.7 %، حسب تقدير “بلومبيرغ”، مما سيؤدّي إلى الركود الذي يقتطع حوالي تريليون دولار من الناتج العالمي.

3 ـ ارتفاع معدل التضخم العالمي لأكثر من 1.2%، حسب تقدير “بلومبيرغ”، ليدخل العالم في ركود اقتصادي صريح.

ولا بدّ من الإشارة إلى انّ هذا السيناريو الأقلّ حظاً، بعد رفض الرئيس الأميركي جو بايدن تدحرج الأمور الى حرب إقليمية،

ثالثاً: توقف المواجهة العسكرية بناءً لتسوية سياسية

وهو السيناريو الأكثر احتمالاً، بعد إدراك حكومة نتنياهو فشل السيناريو الأول في تحقيق أهدافه المعلنة من عملية “السيوف الحديدية”، وهو القضاء على حركة “حماس”، وتمدّدها بـ “قواعد اشتباك” محدّدة الى بعض الدول المجاورة، كما يحصل على الحدود الفلسطنية – اللبنانية، وتعاظم خسائر “إسرائيل”، باستمرار رقعة القتال محصورة بغزة لفترة زمنية طويلة، إضافة الى عدم قدرة الجيش الإسرائيلي حسم المعركة، باجتياح بري لقطاع غزة.

استناداً الى ما سبق، بعد رفض أميركا للسيناريو الثاني، واستمرار فشل السيناريو الأول، تجد حكومة نتنياهو نفسها بين خيارين أحلاهما مرّ بالنسبة لها، وهو الموافقة على توقف المواجهة العسكرية بناءً لتسوية سياسية، باعتبار انّ كلفة التسوية ستكون أقلّ لإسرائيل وأميركا، ومن المحتمل ان تشمل التسويات محور المقاومة، بعد تغيير موازين القوى بالمنطقة، بانتصار المقاومة الفلسطنية ومحورها، بعدما أفشلت تحقيق هدف “السيوف الحديدية”.

ومما لا شك فيه سينعكس السيناريو الثالث إيجاباً على اقتصاديات الشرق الأوسط والعالم، إذا تمّت التسوية السياسية مع محور المقاومة لتخفيف حصار دام لسنوات على غزة، ولبنان، وسورية والشرق الأوسط.

ومهما كانت التسويات العسكرية او السياسية، فالجميع يكاد يُجمع على أنّ ما قبل “طوفان الأقصى” ليس كما بعده، ومن السابق لأوانه توقع ما هي تداعياته الفعلية على الاقتصاد العالمي، في ظلّ التطورات الجيوسياسية طويلة الأمد، وبين الواقع والمتوقع لتداعيات “طوفان الأقصى”، سؤال يطرح نفسه على مسار الأحداث، هل سيخرج الاقتصاد العالمي من التوازن الحالي والراهن الى مرحلة انعدام التوازن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock