البازار السياسي يشعل ملف قيادة الجيش
لبنى عويضة- خاص الرقيب:
بدأ الفراغ ينهش مفاصل الدولة، فعشية إحالة قائد الجيش العماد جوزف عون إلى التقاعد، وتحديداً في 10 كانون الثاني المقبل، تقدّم شبح الفراغ الذي أنهك مؤسسات الدولة، فالشبح الأول المسيطر هو الفراغ في رئاسة الجمهورية وحاكمية مصرف لبنان، إضافة للفراغ في رئاسة الأركان وغيرها الكثير…
وفي ظل هذا التشرذم، يظهر استعصاء بلورة المخارج القانونية والدستورية لحل ملف قيادة الجيش، فرئيس البرلمان نبيه بري متمسك بمعالجة هذا الملف في الحكومة عبر دعوة الحكومة الى جلسة لهذه الغاية، وعليه فالرئيس بري ايضاً عازم على الدعوة إلى جلسة تشريعية قبل عطلة الأعياد في حال عدم نجاح الرئيس ميقاتي في تمرير مرسوم تأجيل التسريح للعماد عون، ليكون ضمن جدول أعمالها اقتراحات قوانين معجلة مكررة ينصّ بعضها على رفع سن التقاعد لرتبة عماد أو لرتبة عماد ولواء أو لكافة الرتب وفقاً لما أشارت إليه المعلومات الصحافية، وبعضها الآخر ينص على التمديد للعماد عون وحده سنة على الاقل.
وعشية الفراغ في قيادة الجيش، تكثفت حركة الاتصالات السياسية والحكومية لإيجاد الحلول لهذا الموضوع التي تؤدي الى الخروج من دائرة التعطيل، والكرة الآن لا زالت في ملعب حكومة تصريف الأعمال، إلا أن الوقت أخذ ينفذ ولا مجال للترف قبل حسم الخيار، ولكن من الواضح ان الرئيس ميقاتي سيتعامل او يتعامل فعلاً مع هذا الملف الضاغط والهام جدا كعادته في التعامل مع الملفات بالتسويف والمماطلة…
ومن هنا فإنه من الواضح والمستغرب ان المؤسسات أو السلطات اللبنانية بدأت تفقد احد أهم ركائزها وهو “العنصر المسيحي الماروني”، فالمناصب الحساسة التي يتولاها الموارنة في الدولة باتت شبه فارغة، ولم يبقَ إلا قيادة الجيش وهي العامود الأساسي لحفظ الأمن في البلاد، خاصة وأن الجنوب اللبناني بدأ يغلي ويشهد ارتفاعاً في حدة الاشتباك مع العدو الاسرائيلي. وهنا يكون من حق المسيحيين ان يتساءلوا كيف تسير هذه الدولة بدون رئيس للجمهورية ومجلسي النواب والوزراء يؤديان مهامها وكأن شيئاً لم يكن؟ وكيف ستكمل هذه الدولة مسيرتها بدون قائد جيش ماروني؟
إذن، لا بد للبازار السياسي أن يبتعد عن ملف الجيش، خصوصا كون النزاع اليوم خرج عن كونه مسيحياً ليصبح وطنياً بامتياز ومفتوح أمام خيارين لا ثالث لهما، إما تعيين قائد جديد للجيش عبر الحكومة وهو ما بات مستبعداً، أو التمديد عبر اقتراح قانون من خلال جلسة عادية في البرلمان، أو تأجيل التسريح من خلال مجلس الوزراء عبر مرسوم.
صحيح أن الخيارات كثرت في الآونة الأخيرة، إلا أن الوقت لم يعد يسمح للتخبط لم يعد مسموح استخدام هذا الملف في البازار السياسي، وبالرغم من الحساسية إلا أن الفراغ في قيادة الجيش ممنوع، فالبلد “على كف عفريت” وفي عين عين العاصفة، والوضع لا يُحتمل، أما ملف قيادة الجيش فلا يمكن أن يكون ملفاً يحتمل الأخذ والرد، فالبلد يغلي، والفراغ في المناصب المارونية فتك بالقيادات، خصوصاً مع دخول الفراغ الرئاسي عامه الثاني؛ فإلى متى ستبقى السلطة وأركانها تحت رهن المزاج السياسي، متناسين أهمية حل مسائل الدولة الأساسية؟