إسرائيل تضطر إلى بيع سندات لتغطية تكاليف الحرب للمرة الأولى منذ 1998
اضطرت حكومة الاحتلال الإسرائيلي لبيع سندات لتغطية تكاليف الحرب وللمرة الأولى منذ 1998.
فقد وضع قرار شركة “موديز” لخدمات المستثمرين خفض التصنيف الانتمائي لإسرائيل، تحديات كبيرة أمام تل أبيب في ظل عدم وضوح الجدول الزمني لحرب “طوفان الأقصى”، وإزاء التصريحات التي يطلقها متخذو القرار في شأن احتمال استمرارها أشهراً طويلة تفوق السنة. وكشف مسؤولون إسرائيليون عن أن الشركة تهدد بمزيد من خفض التصنيف إذا ما خاضت إسرائيل حرباً تجاه لبنان، فيما تبحث شركات استثمار أخرى احتمال أن تحذو حذو “موديز”، في حال استمرت الحرب.
وكانت شركة “موديز” خفضت تصنيف السندات الحكومية الإسرائيلية من A1 إلى A2 لتصبح إسرائيل في مستوى دول أخرى مثل أيسلندا وبولندا، وأعلنت “موديز” عند نشر قرارها أنها اتخذته كون الحرب في غزة “ستزيد بشكل ملموس الأخطار السياسية على إسرائيل، وستضعف مؤسساتها التنفيذية والتشريعية وقوتها المالية”.
وفي ظل التكاليف الباهظة لحرب “السيوف الحديدية” وحاجة إسرائيل إلى تمويلها، ستكون إسرائيل مضطرة، وللمرة الأولى منذ عام 1998 – العام الذي بدأ فيه التصنيف، لبيع سندات خزانة للمستثمرين من أجل الحصول على قروض لتمويل حربها في غزة، واتفق أن يكون البيع بالعملة الأجنبية من خلال صفقات خاصة.
وبعد مشادات كلامية وخلافات في الحكومة والكنيست بين وزير المالية بتسلئيل سموطرتش ووزراء ونواب حول الوضع الذي وصلت إليه إسرائيل في أعقاب الموازنة الباهظة، التي خصصت قسطاً كبيراً منها لمراضاة أحزاب الائتلاف بدل استخدامها لتكاليف الحرب، بحسب متابعين أقر مسؤولون في وزارة المالية بـ”أن الوضع في غاية الخطورة ولا مجال أمام إسرائيل إلا بيع كميات كبيرة جداً من السندات لتغطية تكاليف الحرب”.
تحميل نتنياهو المسؤولية
جهات سياسية حملت رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو مسؤولية الوضعية التي آلت إليه إسرائيل، إلى جانب سموطرتش، بعد اعتبار الأخير القرار سياسياً ولا يمت بصلة لأي وضع اقتصادي. أما نتنياهو فاعتبر أن خفض التصنيف “لا يرتبط بالوضع الاقتصادي بل ينبع من الحرب”، وأنه “سيرتفع مرة أخرى عندما سننتصر”، كما قال نتنياهو.
برأي معارضي هذا الموقف، فإن عدم ثقة “موديز” بنتنياهو وسموطرتش بحرصهما على تصحيح الوضع الخطر الذي وصلت إليه إسرائيل من الناحية الاقتصادية، هو ما دفع إلى هذا القرار.
ولفت معارضو حكومة نتنياهو في حملتهم ضده بعد قرار “موديز”، إلى أن الخطورة الأكبر ما بلورته الشركة من موقف يعكس السياسة الخطرة التي يقودها نتنياهو وسموطرتش خلال الحرب، “إذ لم تكتف الشركة في التطرق إلى المجال الاقتصادي فقط، إنما أشارت إلى غياب حل المشكلة السياسية مع الفلسطينيين، وخطر “حزب الله” في الشمال، وانعدام خطة لليوم التالي في غزة، وعدم الاستقرار السياسي – بل وألمحت بثقافة المتدينين الذين لا يعملون وبالتالي لا يسهمون في بالإنتاج وإنتاجية العمل”.
وفي تقرير نشرته صحيفة “هآرتس” حول الموضوع، تطرقت فيه إلى “العنصر الأكثر تأثيراً لدى شركات التصنيف وهو موازنة الدولة. فـ”موديز” بحسب الصحيفة، “تخشى أن يكون ميل الانخفاض في نسبة الدين / الإنتاج انقلب وبدأ يرتفع. هذا الأمر ينبع من الموازنة الفوضوية التي تقدم بها نتنياهو وسموطرتش لعام 2024، التي تخلق عجزاً ضخماً وخطراً (6.6 في المئة من الناتج) لأنه لم يتم فيها أي نوع من التقليصات اللازمة”.
وأضاف التقرير أن “الموازنة التي صادقت عليها حكومة نتنياهو، تضخ مليارات لقطاع المتدينين غير الإنتاجي، وتنقل مبالغ طائلة للمستوطنات وللتراث، بدلاً من أن توجه إلى الإصلاحات، والاستثمارات في البنى التحتية، وإنقاذ الأعمال التجارية التي تضررت وإعادة نمو الاقتصاد”.
إضعاف مناعة إسرائيل الاقتصادية
وقال الخبير الاقتصادي وائل كريم، بحسب الـ”اندبندنت عربية”، إن “خفض تدريج الائتمان يتعلق بالأمن الاقتصادي، كلما ارتفعت خطورة التعامل مع أية حكومة ترتفع الفائدة”، ويضيف “عندما يواصل نتنياهو وايتمار بن غفير وسموطرتش تصريحاتهم وتهديداتهم باستمرار الحرب، وعندما لا تقدم الحكومة أي أفق لإنهاء المعارك أو حول اليوم الذي يلي الحرب، فأمنها ينعكس بطبيعة الحال على الأمن الاقتصادي، وهذا يدفع إلى القرار الذي اتخذته موديز وربما تتخذه شركات أخرى”.
وبحسب كريم فإن “المشكلة الأكبر تكمن في نظرة المستثمرين من الخارج إلى الوضع الاقتصادي في إسرائيل، وتراجع ثقتهم والامتناع عن الاستثمار فيها أو حتى إلغاء هذه الاستثمارات، التي لاحظنا ارتفاعاً مستمراً في هذا الاتجاه منذ بداية الحرب”.
وفيما لا يختلف اثنان ممن يعارضون سياسة نتنياهو على أن حرب “طوفان الأقصى” أضعفت مناعة إسرائيل الاقتصادية، قال الخبير الاقتصادي آفي فاكسمان، إن خفض “موديز” للتصنيف الائتماني “يعبر عن اليأس من حكومة إسرائيل وسياستها خصوصاً تجاه حرب غزة. عند اندلاع الحرب في أكتوبر (تشرين الأول) تعاملت شركات التصنيف الائتماني مع إسرائيل بقفازات من حرير، ثم منحت الوقت للجيش الإسرائيلي كي يعمل، وبنك إسرائيل كي يجند الأموال، والحكومة كي تعيد التفكير بموازنة الدولة، ومحكمة العليا كي تقرر إذا كانت ستلغي قوانين أساس”. وتابع فاكسمان “لكن فترة السماح هذه انتهت عندما أعلنت موديز قرارها ليس فقط خفض التصنيف، بل أيضاً التنبؤ السلبي، أي ترجيح خفض آخر في التصنيف”.
ويتخوف الإسرائيليون من أن تتخذ شركات أخرى مثل هذا القرار، خصوصاً مع إصرار إسرائيل على اجتياح رفح على رغم التحذيرات الدولية والأميركية.
كذلك رجح فاكسمان أن تحذو شركة “إس آند بي” حذو “موديز” بعد شهرين أو ثلاثة، عندها يتابع محذراً: “يمكن القول إن السابع من أكتوبر أدى إلى تغيير النموذج في رؤية شركات التصنيف لإسرائيل، ومنظومة اقتصادية العالمية أيضاً. فخلال الأعوام الـ20 الماضية، رفعت شركات التصنيف إسرائيل وكانت كل مرة تشير إلى أنها تفعل ذلك بفضل اقتصادها المثير، على رغم وجودها في منطقة إشكالية”.
المصدر :إندبندنت عربية