شجرة الزيتون… بين غرس الرمزية الجوفاء وحصد اللامسؤولية

بقلم لبنى عويضة… خاص جريدة الرقيب الإلكترونية:
في خطوة براقة تتخللها الرمزية لكنها تفتقر إلى جوهر الفعل الحقيقي، قام رئيس بلدية طرابلس رياض يمق بغرس شجرة زيتون إحياءً لذكرى المفقودين. ظاهريًا، قد تبدو هذه لفتة إنسانية جميلة لاستذكار وتكريم من فقدوا في ظروف غامضة، لكن في ظل المآسي والمعاناة التي نعيشها يوميًا، كيف يمكن تغطية الواقع الأليم برمزية جوفاء لا تعالج جوهر المشكلة؟
رمزيًا، يُعتبر الزيتون رمزًا للصمود والسلام، لكن كيف يمكن لشجرة أن تعوض ألم الفقدان للأهالي في حين لا يزال مصير أبنائهم مجهولًا؟ هل ذوو المفقودين بحاجة إلى غرس شجرة أم إلى معرفة مصير أبنائهم؟ إن تحويل قضية بهذه الضخامة إلى مجرد فعالية رمزية هو انتقاص من معاناة مئات العائلات، خصوصًا وأن هذه الخطوة تتزامن مع غياب أي تحرك جدي أو استراتيجيات للبحث عن المفقودين. يمكن القول إن غرس الشجرة يمثل تمييعًا للواقع ومحاولة للهروب من المسؤولية.
وبالحديث عن المسؤولية، تطرح العديد من الأسئلة أبرزها:
- أين خطط الحكومات في التحقيق بملف المفقودين ومشاريع الوزارات المعنية عبر السنوات؟
- أين التحقيقات الجادة؟
- أين الجهود العملية؟
- أين الضغوط على الجهات الخارجية للكشف عن مصير المفقودين؟
إذا كانت الحكومة أو البلدية تعتبر أن غرس شجرة الزيتون هو أقصى ما يمكن تقديمه، فبئس السلطة، وهيهات من الظلمات. فالأمر لا يعكس إلا الإفلاس والإهمال، وترك مصير المئات مجهولًا في سبيل ابتزاز عائلاتهم عاطفيًا، والعزف على أوتار انتظارهم لتسجيل نقاط سياسية.
أما بالنسبة لرئيس البلدية، فقد باءت محاولته لكسب تعاطف الناس بالفشل، وكان تسجيل الأهداف خارج شباك الملعب. فقد أفرغ رمزية زرع الشجرة، و”ما هكذا تُورَّد الإبل”، فقضية بحجم مصير المفقودين لا تُختزل بالصور الدعائية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تقدم أي طرح جدي لحل قصة مأساوية بكل فصولها، عقدتها أُحكمت مع إحكام قبضة مثل هذه الحكومات على مصير مواطنين لا ذنب لهم سوى أنهم ولدوا في زمن الحروب التي شرّدت عددًا كبيرًا من العائلات عبر السنوات.
إذن، قضية المفقودين في لبنان عمومًا، وفي طرابلس خصوصًا، ليست بحاجة إلى رموز، بل إلى تحرك فعلي حقيقي وعملي، بالإضافة إلى خطوات ملموسة. صحيح أن شجرة الزيتون رمز للسلام، إلا أن تحقيق السلام الحقيقي يتطلب معرفة مصير المفقودين لإراحة قلوب عائلات احترقت بانتظار المجهول المحيط بمصير أبنائهم لسنوات مضت، حتى أن بعض الأهالي وُوروا الثرى وهم بانتظار ذلك المصير. فقضية المفقودين قضية إنسانية بحتة، وتتطلب مواجهة حقيقية وجريئة لتحقيق العدالة المنشودة.