خليك… في حدا بدو ياك
بقلم: لبنى عويضة… خاص جريدة الرقيب الإلكترونية:
في اليوم العالمي للوقاية من الانتحار، نُظمت العديد من المسيرات التي حذرت من هذه الآفة المتفشية في المجتمع والتي تزداد أعدادها بشكل مقلق. هذه الآفة التي يصرخ أصحابها في صمت، حيث يعاني ضحاياها بصمتٍ مرير؛ هم ضحايا الازدواجية التي يعيشونها بين مظهر القوة التي يُفرض عليهم إظهارها أمام المجتمع، وبين الضعف النفسي الذي ينهشهم في الخفاء، رافضين الاعتراف به حتى أمام مرآتهم.
ربما تتاح الفرصة للبعض ممن يملكون وعيًا كافيًا بالتوجه إلى المعالج النفسي عندما يدركون خطورة أفكارهم الانتحارية، خاصةً عندما تبدأ هذه الأفكار بالتسلل إلى اللاوعي. في المقابل، يعاني آخرون بصمت، فتخنقهم الأفكار الانتحارية حتى ينفذوا خطتهم المفجعة، مخلّفين وراءهم صدمة كبيرة في محيطهم، حيث يتساءل الجميع عن سبب عدم استغاثتهم أو طلبهم للمساعدة.
كثيرًا ما يُنظر إلى المنتحر على أنه ضعيف، ومن الناحية الدينية يُحكم عليه بالكفر والزندقة، لأنه أنهى حياته خارج إرادة الخالق. والمجتمع، من جهته، يهمل بشكل كبير الصحة النفسية، التي لا تقل أهمية عن الصحة الجسدية، بل ربما تفوقها، خاصة في ظل الظروف القاسية التي يعاني منها اللبنانيون اليوم. ويظل الحديث عن الانتحار في كثير من الأحيان موضوعًا “تابو”، لا يجرؤ أحد على طرحه أمام الآخرين خوفًا من الأحكام المسبقة والإدانة او “الجَلْد” اللفظي.
بعيدًا عن التراجيديا، أجدني في هذا اليوم مضطرة للحديث عن تجربتي الشخصية في محاولة الانتحار التي باءت بالفشل. كانت نتيجة تراكم ضخم من المشاكل والخيبات التي لم أستطع تحملها، حتى من أولئك الذين كنت أعتبرهم الأقرب لي. نعم، قد تكون الكلمات صادمة لبعض القراء، لكنها الحقيقة التي قررت مواجهتها بعد أن نزعت قناع المثالية الذي كنت أختبئ وراءه لفترة طويلة.
تلك الحقيقة واجهتها بعد جهد وصبر، وبعد خضوعي للعلاج النفسي. وصفني المعالج حينها بالخائنة لنفسي، مؤكدًا أنني لا أستحق تدمير ذاتي بسبب العوامل الخارجية، حتى وإن كنت أشعر بالخذلان من الجميع. “أنتِ الأهم قبل أي شيء” كانت كلماته التي علقت في ذهني.
كان الاكتئاب هو المسيطر عليّ لفترة طويلة، نهش أفكاري وسرق مني الرغبة في الحياة. الانتحار هو خطوة قد يجرؤ البعض على اتخاذها، بينما يرهبها البعض الآخر، لكن الأهم هو تذكر أن مهما كانت الظروف قاسية، هناك دائمًا فسحة للأمل. علينا أن نتوقف عن انتظار خطوات من الآخرين، وأن نبدأ رحلة التشافي بأنفسنا، فهي ستكون نقطة التحول في حياتنا.
رجاءً، إذا لاحظت شخصًا يعاني من اضطراب نفسي، لا تثقل عليه بالتنظير أو إطلاق الأحكام، بل حاول مساعدته عبر توجيهه إلى مختص نفسي. ولكل من يفكر في الإقدام على هذه الخطوة أو قام بها سابقًا، تذكر أن “في حدا بدو ياك”، والعلاج النفسي هو سبيلك للخروج من دوامة الصراع الداخلي. ذلك الشخص الذي يريدك بالفعل هو أنت نفسك، مستقبلك وحياتك. تحدَّ أفكارك، وتغلب عليها.