بقلم ناجي امهز
بدأت تتكشف الكثير من الأسرار التي كانت ممنوعة من التسرب خارج الجدران المحصنة في أروقة صناعة السياسة العالمية.
منذ أشهر طويلة، تيقن الكيان الإسرائيلي من عجزه عن هزيمة أو تغيير موقف حزب الله في عملية إسناد غزة، فلجأ كعادته إلى الأساليب السياسية التي يتقنها، حيث ضغط عبر لوبياته التي تسيطر على مفاصل المال والاقتصاد العالمية لتحريك الغرب بأكمله، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، من أجل التفاوض مع حزب الله حول سلة متكاملة تضمنت كافة مغرياته المالية والسلطوية، إضافة إلى ملف مكتنز بالتقارير عن الدول العربية التي باعت فلسطين في أسواق النخاسة.
حاول الوسطاء تقديم تقارير تثبت أن حزب الله وحيد في معركة إسناد غزة، وأن بعض الدول العربية تتآمر عليه، كما تآمرت على فلسطين وشعبها. بل قدم الوسطاء دراسة نفسية وسلوكية توضح أن الرأي العام العربي لم تصله حتى الآن معاناة غزة بسبب حكوماته التي تفرض قيودًا صارمة على مواد النشر والأخبار، وأن مواقف بعض الدول العربية تسهم في منع تمرير الدواء والمواد الغذائية إلى غزة. حتى عندما نجحت بعض الجهود الدولية في فتح بعض المعابر إلى غزة، تشددت بعض الحكومات العربية في إجراءاتها، مما أعاق وصول تلك المساعدات إلى غزة وشعبها.
ولم يسجل من قبل أن طالبت الأردن أو مصر الكيان الإسرائيلي بهدنة لتمرير الدواء والغذاء من هاتين الدولتين إلى غزة. وعندما بدأ الضغط الشعبي الأردني للمطالبة بإيصال المساعدات، طالبوا مصر بفتح معبر رفح، فردت مصر عليهم: “لماذا لا تمررون المساعدات عبر الضفة إلى غزة؟”
حتى رسالة الملك الأردني كانت مجرد رفع عتب، فقد وجهها إلى رئيس لجنة الأمم المتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، شيخ نيانغ، بمناسبة يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني، وفق بيان صادر عن الديوان الملكي.
أما ما عرضه نتنياهو في مجلس الأمن، فهو لكشف تعاون بعض الدول العربية على إخراج الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية، من خلال عرض صورة لخارطة إسرائيل خالية من الضفة وغزة.
كانت مهمة الوسطاء إقناع حزب الله بإنه يهدر قوته ويضيع وقته على إسناد غزة، فالقيادات العربية تريد أن تظهر لشعوبها أن عدم إسناد غزة كان قرارًا حكيمًا منها.
ورغم المحاولات اليائسة لإبعاد حزب الله عن إسناد غزة والضغط عليه تحت شعار أن الحزب ليس وحده من يتحمل هذه المسؤولية، قدم الوسطاء عروضًا مغرية تمثلت في دفع مبالغ ضخمة تتجاوز 20 مليار دولار، بالإضافة إلى إطلاق يد الحزب في لبنان والمنطقة ورفع العقوبات الدولية عنه وشطبه من لوائح الإرهاب.
ويمكن فهم هذه المقطع من كلمة السيد نصرالله الأخيرة حين قال: “خروج المقاومة من هذه المعركة، طبعًا هناك بعض الدول الغربية جاهزين ليعملوا لنا مخرجًا، أن نعمل تسوية معينة، في مجلس الأمن ونقول تطبيق 1701 ونُوقف الحرب، وتُترك غزّة وأهل غزّة ومقاومة غزّة وأهل الضفّة وفلسطين وكلّ المعركة لمصيرهم”.
ورغم كل الإغراءات، رفض الحزب وقف إطلاق النار، حيث كان شرطه الوحيد: “وقف النار على غزة يوقف النار من لبنان على العدو الإسرائيلي”.
وعندما تأكد العدو أن موقف حزب الله لن يتغير، بدأ بعمليات الاغتيال ووسع نطاق استهدافاته في لبنان وسوريا، بل حتى في إيران عندما اغتال الشهيد إسماعيل هنية. وكان يكرر دائمًا أنه قادر على اغتيال سيد المقاومة في محاولة لتهديد قيادات حزب الله بأن عليها التراجع عن إسناد غزة. ولكن كان الجواب دائمًا: “أوقفوا النار عن غزة يتوقف النار من جنوب لبنان.”
ثم جاءت عملية تفجير البيجرات والأجهزة اللاسلكية، ورغم تداعياتها على الكيان الإسرائيلي دوليًا، إلا أنه أصر على ارتكابها في محاولة منه لمنع استمرار حزب الله في إسناد غزة.
وفي خطابه الأخير، خرج الشهيد السيد نصرالله وقال كلمته التي كلفته ان يقدم روحه الشريفة الطاهرة على طريق القدس دفاعا عن الانسانية جمعاء التي تتمثل بغزة واهل غزة وكل طفل وسيدة فلسطينية.
السيد نصرالله كجده محمد رسول الله: والله لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله ، أو أهلك فيه ، ما تركته.
مقتطف من الكلمة الاخيرة للشهيد السيد نصرالله ومنها يتضح الكثير: “”هدفنا من هذه الضربة هو أن تتوقفوا عن دعم غزّة وأن توقفوا القتال في الجبهة اللبنانية، وإن لم تتوقفوا لدينا المزيد”، هذا يوم الثلاثاء من بعد الظهر، فكان الأربعاء المزيد الذي توعدوا به يوم الثلاثاء. إذًا الهدف واضح، الهدف واضح، الآن ممكن أن يذهب أحد بالهدف أبعد من ذلك ويقول إنّ هذه الضربة كانت تمهيدية وكانت ستلحق بها بعد ساعات عملية عسكرية واسعة كبرى، هذا قابل للنقاش، لكن بالحد الأدنى القدر المتيقن، وهذا ما أُرسل إلينا وبُلّغت به أيضًا الجهات الرسمية في لبنان، أنّ هدف الضربة هو هذا، أصلًا ضمنًا هناك تبني “إسرائيلي” للموضوع. إخضاع المقاومة، استسلام المقاومة، توقف المقاومة، خروج المقاومة من هذه المعركة، طبعًا هناك بعض الدول الغربية جاهزين ليعملوا لنا مخرجًا، أن نعمل تسوية معينة، في مجلس الأمن ونقول تطبيق 1701 ونُوقف الحرب، وتُترك غزّة وأهل غزّة ومقاومة غزّة وأهل الضفّة وفلسطين وكلّ المعركة لمصيرهم، وبالتالي كلّ ما قدّمناه من تضحيات ومن شهداء ومن جهود ومن مواجهات قاسية ودامية خلال عام يكون ذهب سُدى، ونحن لا يمكن أن نفعل ذلك. إذًا الهدف من هذه الضربة، السياق الذي جاءت به في هذه الضربة والهدف منها يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء هو فصل الجبهتين وتوقف الجبهة اللبنانية. الجواب باسم الشهداء، باسم عوائل الشهداء، باسم الجرحى في المستشفيات، باسم الذين فقدوا أعينهم وأكفهم، باسم كلّ الناس الصابرين والصامدين والثابتين والأوفياء، باسم كلّ الذين تحمّلوا مسؤولية القيام بهذا الواجب الأخلاقي والإنساني والديني في نصرة غزّة التي تتعرّض للإبادة الجماعية والقتل الجماعي والجوع والعطش والمرض والحصار، نقول لنتنياهو وغالانت – الذي كانوا سيطردونه ولكن يبدو أنه بقي – نقول لحكومة العدو، لجيش العدو، لمجتمع العدو، جبهة لبنان لن تتوقف قبل وقف العدوان على غزّة، من 11 شهرًا نقول هذا الكلام، ممكن هذا الكلام مُتكرّر الآن، ولكن هذا الكلام يأتي بعد هاتين الضربتين الكبيرتين، بعد كلّ هؤلاء الشهداء وكلّ هذه الجراح وكلّ هذه الآلام أنا أقول بوضوح أيًا تكن التضحيات، أيًا تكن العواقب، أيًا تكن الاحتمالات، أيًا يكن الأفق الذي تذهب إليه المنطقة، المقاومة في لبنان لن تتوقف عن دعم ومساندة أهل غزّة وأهل الضفّة والمظلومين في تلك الأرض المقدسة”