عندما يهدد الخطر حياة السجناء: نزوح خلف القضبان!
بقلم: لبنى عويضة… خاص جريدة الرقيب الإلكترونية
مع اشتداد العدوان الإسرائيلي على لبنان منذ شهرين تقريباً، لم يكن خيار النزوح محصوراً بالمواطنين في جنوب البلاد فقط. فبينما توجه مئات الآلاف من الأهالي نحو مناطق أكثر أماناً، اتسع هذا النزوح ليشمل السجناء أيضاً في خطوة استثنائية. العدوان لم يستثنِ مدنيين أو مراكز صحية أو ملاذات آمنة، مما دفع السلطات إلى اتخاذ قرار بنقل السجناء من مخافر وسجون الجنوب إلى مناطق أكثر استقراراً. إلا أن هذه الخطوة الطارئة أضافت أزمة جديدة تمثلت في اكتظاظ غير مسبوق في مراكز التوقيف التي استقبلتهم، متطلبةً تدابير عاجلة لمواجهة تداعياتها.
إنّ السجون والمخافر في مرجعيون وجزين وصور وبنت جبيل تضم أكثر من ألف سجين، مما يشكل خطراً على حياتهم إذا ظلوا في تلك المناطق المهددة أمنياً. ومع أن نقلهم كان ضرورة لحمايتهم، إلا أن هذا الإجراء أدى إلى مشاكل متزايدة في مراكز التوقيف الأخرى، التي باتت تعاني من نقص في القدرة الاستيعابية وضعف في الخدمات.
اكتظاظ السجون: تداعيات وأعباء إضافية
ازدادت معاناة مراكز التوقيف، حيث يعاني معظمها من اكتظاظ شديد، وتدهور في المعايير الصحية وانتشار للأمراض، في ظل شكاوى متزايدة من نقص الرعاية الطبية والخدمات الأساسية. هذه الأوضاع تكشف الضغط الهائل الذي تواجهه البنية التحتية للسجون اللبنانية، التي تعاني أصلاً من تردٍ كبير في مستوى الخدمات والصيانة والرقابة. ورغم أن نقل السجناء من الجنوب كان إجراءً حتمياً لحمايتهم، إلا أن هذا الحل المؤقت زاد من تفاقم الأعباء في مراكز التوقيف الأخرى دون إيجاد معالجة شاملة لمشكلة الاكتظاظ المستمرة.
تدخل قضائي طارئ: خطوة نحو التخفيف
وفي محاولة لتخفيف آثار هذا الاكتظاظ، أصدر النائب العام التمييزي، القاضي جمال الحجار، تعميماً يسمح للموقوفين بتقديم طلبات تخلية سبيلهم من أماكن احتجازهم، حيث تتولى الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان استلام هذه الطلبات وإيصالها إلى الجهات المختصة للبت فيها بسرعة. هذه الخطوة، رغم كونها حلاً مؤقتاً، تعكس أهمية الدور القضائي في مواجهة الأزمات المتفاقمة في السجون، وتسلط الضوء على الجهود الحثيثة لتحقيق الحد الأدنى من حقوق الإنسان للسجناء.
مع ذلك، تبقى هذه الإجراءات محدودة الأثر ولا تعالج جذر المشكلة، مما يستدعي الحاجة إلى تحرك فعّال ومستدام على الصعيدين القانوني والإداري، لضمان كرامة السجناء وأمانهم، والعمل على إنشاء بنية تحتية تتناسب مع تزايد أعداد الموقوفين وتوفير سبل الرعاية المناسبة.
أزمة السجون في لبنان: معضلة تحتاج إلى إصلاح جذري
أعادت هذه الأزمة النقاش حول تهالك النظام السجني في لبنان، وكشفت عن عجز المرافق عن استيعاب أعداد السجناء المتزايدة، ما يهدد حقهم الأساسي في الحياة الكريمة وظروف الاحتجاز الإنسانية. ورغم محاولات التخفيف، يبقى التساؤل مفتوحاً: إلى متى ستظل الحلول المؤقتة هي الأداة الوحيدة لمواجهة أزمات قطاع السجون؟ وهل تملك الحكومة الإرادة السياسية لتنفيذ إصلاحات حقيقية تضمن العدالة والأمان في هذا القطاع الحساس؟
أصبح من الواضح أن التعامل مع أزمة السجون لا ينبغي أن يقتصر على ردود فعل مؤقتة، بل يجب أن يُبنى على استراتيجية إصلاحية شاملة تهدف إلى ضمان حقوق السجناء، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وإعادة تأهيل النظام القضائي ليصبح قادراً على تلبية احتياجات البلاد الإنسانية والقانونية.