راديو الرقيب
خاص الرقيبخاص سلايدرمقالات

الخيانة الثقافية: عندما يصبح التراث اللبناني ورقة مساومة

بقلم: لبنى عويضة…
خاص جريدة الرقيب الإلكترونية

من قلب مدينة الشمس، بعلبك، تلك المدينة التي شهدت أزهى عصور الحضارة الرومانية، يخرج اليوم صوتٌ يتعارض مع مواقف أي شخص وطني. صوتٌ يتماشى مع المهادنة أمام التهديدات الخارجية، ويغض الطرف عن التدمير الداخلي الذي تتعرض له الآثار اللبنانية.

لقد أثار تصريح أحد النواب (الذي يفترض أنه منتخب في دائرة بعلبك-الهرمل) حول مسألة حماية التراث الثقافي في لبنان العديد من التساؤلات حول مصير هذه المعالم، التي لا يمكن اختزالها إلى مجرد أحجار مهملة في زوايا التاريخ. كيف لشخص يمثّل مدينة تاريخية مثل بعلبك أن يقف شاهد زور أمام الاعتداءات الثقافية والإنسانية ويكون محايداً تجاه العدوان الإسرائيلي الذي يهدد معالم وطنه؟ بل، وبدلاً من تحمل المسؤولية، يتجه بتصريحاته نحو “التسوية” مع المجتمع الدولي، متّهماً وزير الثقافة بنزع الدرع الأزرق عن بعلبك، بينما يغض الطرف عن جريمة الحرب التي يقترفها العدو بحق هذه المعالم. فالمواثيق الدولية جميعها تحمي هذه المواقع حتى ولو كان تحتها ذخائر.

على الرغم من أن لبنان كان دائمًا مهدًا للثقافات والحضارات، إلا أن بعض الأصوات تشير إلى أن التراث أصبح ورقة تفاوض، وأن هناك من يعتقد أن بإمكاننا العيش تحت سقف واحد مع الاحتلال، سواء في المجالات الأمنية أو الثقافية. هذا الموقف المتواطئ مع العدو يفتقر إلى أي شعور بالمسؤولية الوطنية، وهي مسؤولية لا يمكن التنازل عنها تحت أي مبرر، سواء كان “الحفاظ على الأمن الوطني” أو “الترتيبات السياسية”. فتراث لبنان لا يتجزأ، ولا يمكن المساس به تحت أي ظرف، ولا يجوز السكوت عن التهديدات التي تطاله خدمة لمصالح سياسية ضيقة.

إن النائب الذي من المفترض أن ينتمي إلى مدينة بعلبك كان ينبغي أن يكون أول المدافعين عن هذا التراث، لا مجرد متفرج على تهديدات تحيط به من كل جانب. حتى لو صحت ادعاءات العدو بوجود خنادق وأسلحة تحت القلعة، فإن هذه الادعاءات لا يمكن أن تُعطي الضوء الأخضر للعدو لقصف هذا المعلم، مهما كانت الأسباب.

حماية التراث: مسؤولية وطنية

من جهة أخرى، يجب على الدولة اللبنانية تحمل مسؤولياتها، بدءًا من محاسبة أولئك الذين يتهاونون مع تهديدات العدو. وعلى الحكومة ألا تقف كالمتفرج على تدمير جزء من تاريخنا. كما يجب على المنظومة الدولية أن تتحرك فعليًا لحماية التراث اللبناني من أي تهديدات، سواء كانت داخلية أو خارجية، وأن تضمن للبنان القدرة على التصدي لأي ضغوط تهدد مصالحه الوطنية.

الموقف الوطني لا يمكن أن يكون نصفياً

إن الموقف الوطني تجاه التراث اللبناني يجب أن يكون واضحًا وحاسمًا. لا يمكن لأي لبناني، خصوصًا إذا كان صاحب سلطة، أن يتخذ موقفًا حياديًا أو متخاذلًا حيال الاعتداءات على المعالم التاريخية، سواء كانت من الداخل أو الخارج. فالتراث اللبناني ليس مجرد تاريخ يجب الحفاظ عليه، بل هو جزء لا يتجزأ من الحاضر والمستقبل. من واجب كل نائب أن يكون خط الدفاع الأول عن هذا التراث، وإذا كان لبنان يريد أن يكون جزءًا من المجتمع الدولي، يجب عليه أولاً أن يحمي تراثه الثقافي ويقف في وجه كل من يهدده دون تردد أو تسويف، لا أن يكون شاهدًا على إهانته.

ومهما اختلفنا في الداخل، لا يمكن التصفيق لأي اعتداء من قبل إسرائيل؛ فهي كانت وستبقى العدو الأول والأخير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock