تسرب نفطي ونسيان جماعي: لبنان يطالب بحقوقه من إسرائيل والتصويت بلا صدى!
بقلم: لبنى عويضة…
خاص: جريدة الرقيب الإلكترونية
في الوقت الذي تتسارع فيه وتيرة الحرب، مرّ تصويت اللجنة الاقتصادية والمالية في الأمم المتحدة على قرار التسرب النفطي لعام 2006 مرور الكرام في الإعلام المحلي والدولي. وعلى الرغم من أهمية القرار الذي يعيد التأكيد على مسؤولية العدو الإسرائيلي عن حدث بيئي كارثي، إلا أن الحدث لم يحظَ بالاهتمام اللازم من قبل الرأي العام، وكأن ذاكرة الشعوب اختزلت القضايا البيئية في خانة الأحداث الهامشية.
جذور القرار وأبعاده البيئية
يعود القرار إلى الكارثة البيئية التي سبّبها العدوان الإسرائيلي في حرب 2006، حيث أدى قصف محطة الجية للطاقة إلى تسرب 15,000 طن من النفط الخام إلى البحر المتوسط، ملحقًا أضرارًا جسيمة بالسواحل والنظام البيئي. منذ ذلك الحين، يطالب لبنان عبر الأمم المتحدة بمحاسبة العدو الإسرائيلي وتعويضه عن هذه الخسائر، في إطار تعزيز مبدأ المساءلة وحماية البيئة.
تصويت جديد في زمن مضطرب
يأتي هذا القرار الأممي في سياق سياسي واقتصادي متأزم في لبنان. فالبلاد المنشغلة بتداعيات الحرب الحالية والضغوط الاقتصادية المتزايدة تبدو وكأنها وضعت قضية التسرب النفطي في طي النسيان.
الإعلام، الذي عادةً ما يُركّز على الملفات الساخنة كالأزمات السياسية والاقتصادية، لم يمنح القرار المساحة التي يستحقها، بل اكتفى بتقارير مقتضبة دون تسليط الضوء على أهميته. فهل أصبحت القضايا البيئية في لبنان مجرد ترف لا يحتل أولوية في الأجندة الإعلامية؟
إعادة صياغة الأولويات
يعكس هذا الصمت الإعلامي والشعبي تجاه القضايا البيئية حاجة مُلحّة إلى تغيير الخطاب العام. ففي وقت يواجه فيه العالم أزمات بيئية متفاقمة، يجب أن تكون قضية التسرب النفطي لعام 2006 حاضرة، ليس فقط كذكرى كارثية، بل كنقطة انطلاق لتحركات دولية تُلزم إسرائيل بدفع التعويضات المطلوبة، وتحفز لبنان لاستعادة حقوقه البيئية والمادية.
بين الإنجاز والصمت
رغم التجاهل الشعبي والإعلامي، لا يمكن التقليل من أهمية القرار الأممي. التصويت الذي أيدته 161 دولة، بما فيها دول كانت تمتنع سابقًا عن التصويت مثل غواتيمالا وليبيريا، يُعد إنجازًا دبلوماسيًا للبنان، لكنه لم يتحول إلى قضية رأي عام داخلي.
والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف يمكن للبنان أن يستثمر هذا الإنجاز لتحريك ملف العدالة البيئية والمساءلة الدولية؟
كارثة تتجاوز البيئة
أبعاد هذه الكارثة لا تتوقف عند الجانب البيئي فقط، بل تعبّر عن اعتداء صارخ على السيادة اللبنانية وانتهاك للموارد الطبيعية. ومع ذلك، يبدو أن الأولويات اللبنانية تتجه نحو قضايا تعتبر أكثر إلحاحًا، كالحرب والانهيار الاقتصادي والانتخابات الرئاسية… ورغم أن هذه الأولويات مبررة، إلا أنها تكشف كيف يمكن للأزمات المتلاحقة أن تهمّش قضايا مصيرية كتلك المتعلقة بالعدالة البيئية.
بين ضجيج الواقع وصمت العدالة
يبقى التسرب النفطي لعام 2006 شاهدًا حيًّا على ضعف الالتزام الدولي تجاه الكوارث البيئية في مناطق النزاع. ومع تكرار القرارات الأممية، يبقى التنفيذ رهن المصالح السياسية التي تتجاهل العدالة الإنسانية والبيئية. في ظل هذا الواقع، يتحتم على الأفراد والمؤسسات تعزيز الوعي والمطالبة بإنصاف البيئة اللبنانية، فالعدالة البيئية ليست مجرد ملف عالق، بل قضية وجودية للأجيال القادمة.
إذا كان تحقيق العدالة البيئية عبر المحافل الدولية إنجازًا، فإن غياب التفاعل الشعبي والإعلامي يُفرغه من معناه.
لبنان، الذي يرزح تحت جراح الحرب وأزمات الحاضر، يحتاج إلى إعادة الاعتبار لقضاياه المنسية، فالبيئة هي صمام الأمان الذي لا يمكن التفريط فيه مهما كانت التحديات.