فرح بسيط ومعانٍ عميقة: رمزية الأعياد في زمن الانهيار

بقلم: لبنى عويضة…
خاص جريدة الرقيب الالكترونية
في وطنٍ يعاني من الأزمات من كل الجهات، يأتي موسم الأعياد كنسمة باردة على وجوه أنهكتها حرارة الأيام. لطالما انتظر اللبنانيون هذا الموسم ليكون محطة فرح تجمع القلوب وتلطف أرواحهم، لكن في ظل واقع اقتصادي خانق وسياسي متوتر، تحوّلت الأعياد إلى تحدٍ جديد لا يقل صعوبة عن تحديات الحياة اليومية.
المعركة الاقتصادية إلى الواجهة
تشير التقارير إلى أن الحركة التجارية هذا العام ما هي إلا “ظل” لما كانت عليه في السنوات السابقة؛ إذ فرض الاقتصاد اللبناني، الذي يعاني من أزمات مستمرة، واقعًا جديدًا على اللبنانيين. باتوا عاجزين عن الاستمتاع بتفاصيل الأعياد الصغيرة، مثل التسوق أو شراء الزينة والهدايا. في الوقت الذي يعتمد البعض على المساعدات الخارجية من عائلاتهم أو دخل بالدولار، تبقى الأغلبية العظمى من المواطنين عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية.
يواجه نحو 80% من اللبنانيين صعوبة في تحريك العجلة الاقتصادية في السوق، في ظل تدهور القدرة الشرائية.
ورغم كل هذه الصعوبات، تتجلى روح التمرد، فبعض المحال التجارية تُقلص أسعارها وتقدم تخفيضات مغرية، ما يفتح بابًا ضيقًا للرجوع إلى الحياة الطبيعية ولو مؤقتًا.
السياحة والحركة في مطار بيروت: إشارات من الأمل والتحدي
يبدو أن بعض الأماكن أو القطاعات بدأت تشهد حركة، خصوصًا مطار بيروت الذي شهد زيادة في أعداد الوافدين بعد وقف إطلاق النار مع العدو. ولكن تبقى هذه الزيادة متواضعة مقارنة بالسنوات السابقة. أما السياحة، التي كانت بمثابة أمل للكثير من اللبنانيين لتعزيز الاقتصاد، فهي ما زالت في حالة من الركود، ليصبح موسم الأعياد لدى التجار أيامًا مليئة بالشكوك والانتظار.
البترون وجبيل تنبضان بالحياة في كل موسم
رغم التحديات، تظل مناطق مثل جبيل والبترون تحتفظان بجاذبياتهما في موسم الأعياد.
في جبيل، زيّنت شجرة الميلاد الشارع الروماني وسط تجمع حاشد من السكان والزوار، ما عكس روح العيد بألوانها الزاهية. المدينة التي امتلأت بالزوار الذين يعيدون إحياء ذكريات الأعياد عبر فعاليات ثقافية وتجارية في قلب المدينة التاريخي.
من أسواق الميلاد إلى العروض المسرحية للأطفال، تحاول جبيل أن تُبقي على هذه اللحظات الاحتفالية رغم الظروف الاقتصادية الصعبة.
أما في البترون، فتشهد المدينة حركة نشطة، حيث يتوافد اللبنانيون من مختلف المناطق للاستمتاع بالأجواء العيدية.
فالزينة التي تملأ الشوارع والمطاعم المزدحمة تعكس رغبة اللبنانيين في استعادة الأمل رغم الأوضاع المعيشية القاسية.
وبينما تشتد الأزمة الاقتصادية، تبقى هذه المدن مرتكزًا للتجدد الاجتماعي والنفسي للعديد من المواطنين والمغتربين. وبالتالي العيد يصبح فرصة للاحتشاد مع العائلة والأصدقاء، رغم الصعوبات.
وبذلك، تصبح الأعياد في هذه المناطق رمزًا للفرح الصغير في ظل التحديات الكبرى، وتظل الأضواء التي تزين شوارعها أملًا للمستقبل، دلالة على قدرة اللبنانيين على الحفاظ على الفرح والصمود في وقت واحد.
رمزية الأعياد: الفرح كحق في زمن الألم
رغم كل ما سبق، يستمر اللبنانيون في إظهار قدرتهم على التفاؤل وإحياء معاني الأعياد. في ظل الركود الاقتصادي والأزمات السياسية، لم يعد الفرح في لبنان مجرد احتفال بل أصبح مقاومة.
العائلات التي كانت تجتمع حول موائد فاخرة باتت تجد سعادتها في الجلسات البسيطة، تلك اللحظات الحميمة التي يشاركها الجميع بحب، وتنتقل بين الأحياء والمنازل، ما يعيد للعيد معناه الأصيل.
الفرح باقٍ رغم كل القسوة
إذا كانت الأعياد هذا العام قد فقدت بعض بريقها، فإن اللبنانيين لا يزالون قادرين على صناعة فرحهم الخاص بعيدًا عن القشور والمال. لأنهم يدركون أن الفرح ليس فيما نملكه من مال، بل في قدرتنا على إحياء الحب وتجديد الأمل رغم كل الصعوبات. في لبنان، الأعياد لا تُقاس بالزينة أو الهدايا، بل بالقدرة على الصمود والاحتفاظ بالإنسانية في وجه أقسى التحديات.
العيد نور خافت لكنه لا ينطفئ
في النهاية، يبقى عيد اللبنانيين مرهونًا بالكثير من التحديات التي تسيطر على حياتهم اليومية. ومع أن الأسواق تفتقر إلى حيويتها التقليدية، إلا أن المجتمع أيضًا يواجه صعوبات اقتصادية لم يكن يتخيلها، فقد بدأت منذ فترة الحجر أثناء كورونا. ورغم كل شيء، يبقى الأمل في اللبناني أقوى من أي صعوبة، فيظل هناك من يضيء الشموع في الظلام، ويبحث عن الفرح وسط القسوة.
الأعياد هذا العام ليست مجرد تقليد سنوي، بل هي اختبار حقيقي لصمود الشعب اللبناني في وجه الرياح العاتية التي تهب عليه.
ومع كل يوم يمضي، يثبت اللبنانيون أنهم، رغم كل شيء، قادرون على ابتكار الفرح والبهجة، وإضافة أبسط المناسبات لاستمرار الحياة التي تليق بهم. وكما يُقال: “اللبناني بيحب الحياة وبيحب يعيش مهما كانت الظروف، ولو تحت القصف”.