راديو الرقيب
خاص الرقيبخاص سلايدرمقالات

البلديات تحت المجهر: توازنات محلية تُنذر بتحوّلات وطنية

بقلم: لبنى عويضة…

خاص: جريدة الرقيب الالكترونية

شهدت محافظة جبل لبنان، يوم امس الأحد، المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية والاختيارية لعام 2025، وسط مشاركة لافتة نسبياً بلغت نحو 44.6%، وفقاً لبيانات وزارة الداخلية.
وقد تفاوتت نسب الإقبال بين الأقضية، حيث سجلت كسروان أعلى نسبة بـ59%، تلتها جبيل بـ56%، ثم الشوف بـ44%، وعاليه بـ41%، فيما جاءت بعبدا والمتن في المرتبتين الأدنى بـ38% و37% على التوالي.

الميغاسنتر: فرصة ضائعة لزيادة المشاركة

رغم هذه النسب المقبولة نسبياً، يبقى غياب الميغاسنتر – أي مراكز الاقتراع الكبرى التي تتيح للناخبين التصويت في أماكن سكنهم – عاملاً مؤثراً في الحد من نسبة المشاركة، خصوصاً في المدن والمناطق ذات الكثافة السكانية المتنوعة.
فلو تم تفعيل هذه الآلية، لربما شهدنا إقبالاً أوسع، خصوصاً من فئة الشباب، أو من الذين يصعب عليهم التنقل إلى بلداتهم الأصلية.
إن غياب هذه الخطوة الإصلاحية يُضعف من فرص التأثير الشعبي في الانتخابات المحلية، ويُبقي العملية الانتخابية أسيرةً لقيود لوجستية لا مبرر لاستمرارها.

السباق المحلي في المتن وجبيل وكسروان: تجاذبات وسياسات

اتّسمت الانتخابات بحيوية تنافسية ملحوظة في المناطق ذات الغالبية المسيحية، لا سيما في كسروان، جبيل، والمتن، حيث عكست المعارك الانتخابية تعدداً في الخيارات السياسية والعائلية.
فقد شهدت بعض البلدات مواجهات حادّة بين مجموعات مدعومة من قوى تقليدية وأخرى تحمل طابعاً مستقلاً أو إنمائياً محلياً، ما أضفى على العملية طابعاً سياسياً بامتياز، حتى وإن جرت تحت عناوين بلدية.

التزكية: مؤشر على التوافق أم غياب المنافسة؟

من أصل 330 بلدية في جبل لبنان، فازت 70 بلدية بالتزكية من دون خوض الانتخابات.
هذا الرقم يطرح أكثر من علامة استفهام: هل يعكس توافقاً أهلياً فعلياً؟ أم أنه نتيجة لضعف الحماسة، أو لانعدام الثقة بإمكانية التغيير؟
في كلتا الحالتين، تبقى الديمقراطية المحلية ناقصة في غياب التنافس الفعلي الذي يُحفّز النقاش العام ويمنح الشرعية للمجالس المنتخبة.

مفاجآت انتخابية وإشارات نيابية مبكرة

أظهرت النتائج الأولية مفاجآت لافتة، حيث سجلت لوائح معارضة أو مستقلة تقدماً غير متوقع في مناطق تُعدّ تاريخياً محسوبة على قوى سياسية كبيرة.
هذا التطور قد يحمل إشارات مبكرة، يُمكن أن تترجم لاحقاً في الانتخابات النيابية، إذا ما استمر المزاج الشعبي في التحوّل، وتمكّنت هذه القوى من تنظيم صفوفها وبناء خطاب موحد وقادر على الاستقطاب.

تحديات البلديات: بين الطموحات والواقع

رغم الحيوية الانتخابية، ما زالت البلديات في لبنان تواجه تحديات هيكلية عميقة، تتعلق بالتمويل، والحوكمة، والإصلاح الإداري.
ومعظم البرامج المطروحة خلال الحملات تمحورت حول الخدمات الأساسية، لكن من دون رؤية متكاملة أو خطط تمويل واضحة.
الحاجة ملحّة اليوم لتطوير الإدارة المحلية، وتمكين البلديات من أداء دور فعلي، لا أن تبقى مجرد مؤسسات شكلية بلا أدوات تنفيذ.

المرحلة المقبلة: اختبار للثقة والأداء

كشفت انتخابات بلديات جبل لبنان عن مشهد سياسي متجدد، فيه شيء من التبدّل، لكنه لا يزال ضمن الإطار التقليدي العام.
قد تُقرأ التحوّلات الخفية بعناية، لكن التحدي الأكبر لا يكمن في النتائج بحد ذاتها، بل في الأداء البلدي الذي ستقدّمه المجالس الجديدة.

فهل ستنجح هذه المجالس في استعادة ثقة الناس؟ وهل ستكون هذه الانتخابات تمهيداً لتوازنات سياسية جديدة في المستقبل القريب؟
الأسئلة مشروعة، والإجابات مرهونة بما ستقدمه البلديات، لا بما وعدت به فقط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock