راديو الرقيب
خاص الرقيبخاص سلايدرمقالات

بلدية طرابلس: عندما يصبح التوافق أداة إنقاذ وقائية

خاص: جريدة الرقيب الالكترونية

في مدينة أنهكها الإهمال والانقسامات المزمنة المتجذّرة في تفاصيلها اليومية، وُلد من رحم هذا الانقسام مسار غير مألوف: توافق نيابي على رئيس بلدية جديد لطرابلس. ما كان يُعتبر في السابق تفصيلاً تقنياً أو محطة انتخابية عابرة، تحوّل اليوم إلى رهان سياسي كبير على إمكانية إعادة إنتاج السلطة المحلية من دون صدام أو استقطاب.
فهل نشهد انطلاقة جديدة في العمل البلدي؟ أم أن ما يجري لا يعدو كونه هدنة مؤقتة تسبق العاصفة المقبلة؟

وسط هذه التساؤلات، يبرز اسم عبد الحميد كريمة كتجسيد عملي لهذا التفاهم البراغماتي، محاطاً بآمال بحجم التحديات التي تنتظر طرابلس في المرحلة المقبلة.

في هذا الإطار، لا يمكن قراءة التوافق النيابي على رئاسة بلدية طرابلس من زاوية الانغلاق أو الإقصاء، بل ينبغي النظر إليه كأداة لتفادي المواجهة السياسية، وتحقيق حد أدنى من الاستقرار الإداري في مدينة متعبة.
ما نشهده اليوم أقرب إلى تسوية عقلانية تنطلق من مبدأ الواقعية السياسية، حيث تتقدّم المصلحة العامة على الحساسيات الفئوية والحسابات الشخصية. فالاتفاق بين نواب المدينة على اسم عبد الحميد كريمة لا يُعد تكريساً لنفوذ سياسي بقدر ما هو محاولة لتجنّب تكرار الانقسام داخل المجلس البلدي، الذي كان السبب المباشر في شلله السابق.

اللافت في هذا التفاهم، أنه لم يترافق مع فرض تركيبة جاهزة للمجلس البلدي أو ما يشبه “حكومة محلية مصغّرة”. بل، وللمرة الأولى منذ سنوات، اختار النواب الانسحاب من التفاصيل التنفيذية وترك هامش من حرية القرار للسلطة البلدية المنتخبة، في خطوة تُشكّل سابقة إيجابية قد تؤسس لتوازن جديد بين القوى السياسية وممثلي المجتمع المحلي.

أما اختيار كريمة تحديداً، فلا يأتي من فراغ. فهو يحمل تجربة بلدية سابقة، ومعرفة عملية ببنية البلدية وتعقيداتها، إلى جانب رئاسته لجمعية مكارم الأخلاق الإسلامية، ما يمنحه شرعية اجتماعية ومدنية تتجاوز البُعد السياسي. كما يتمتع بصورة توافقية غير صدامية، تؤهله لإدارة التعدد الطرابلسي المعقّد، بعيداً عن لعبة المحاور والمواجهات العقيمة.

طرابلس اليوم ليست بحاجة إلى شعارات مرتفعة، بل إلى إدارة فعالة، وقيادة متوازنة، وقنوات تواصل مفتوحة بين مختلف مكونات المدينة.
لذلك، فإن التوافق النيابي، رغم كل ما قد يُقال عنه، يُعتبر في هذه اللحظة أداة وقائية أكثر منه اصطفافاً سياسياً، ويوفّر فرصة نادرة لإعادة بناء مجلس بلدي منتج، بعيداً عن الاستقطاب والمناكفات.

ختاماً، فإن تفادي المواجهة والالتفاف حول مصلحة المدينة يُعدّ مكسباً بحد ذاته. فطرابلس لا تحتمل مزيداً من المعارك المجانية، بل تستحق لحظة تقاطع محلي – وطني، ولو مؤقتة، تعيد إلى المؤسسة البلدية وظيفتها التنموية والخدماتية… قبل فوات الأوان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock