“مَشكَل” قائد الجيش وباسيل “يبجّ” المجلس العسكريّ
كتبت ملاك عقيل في “أساس ميديا”
أطلق قائد الجيش العماد جوزف عون تحذيراً قبل أيام تجاوز سقف كلّ خطاباته في الآونة الأخيرة. فخلال مناسبة تقليده الضبّاط المترقّين شارات عميد كان حاسماً في التأكيد: “لا يحقّ لأحد تسلّم الجيش، إلا رئيس الأركان الذي ينوب عن قائد الجيش. هذا الأمر منصوص عليه بوضوح في قانون الدفاع الوطني. ولذا تعيين أعضاء المجلس العسكري ضرورة”.
اختار قائد الجيش هذه المناسبة، الأولى من نوعها خصوصاً لناحية عدد الضبّاط المترقّين الذي بلغ 565 عميداً، ليوجّه رسالة طابعها سياسي بامتياز، دافعاً باتّجاه أن تقوم الحكومة بواجباتها بتعيين أعضاء المجلس العسكري.
قائد الجيش مع التعيين
عمليّاً، دخل العماد عون على خطّ الصراع السياسي بين الرئيس نجيب ميقاتي، المؤيّد لتصريف أعمال “مفتوح”، بما في ذلك إقرار حكومته لبعض التعيينات، وبين النائب جبران باسيل الرافض كلّياً لهذا المسار والذي لم يتوانَ أخيراً عن الإشارة إلى “وقاحة إصدار حكومة تصريف الأعمال المستقيلة والمنقوصة 627 مرسوماً معظمها غير طارئ وغير ضروري”، متّهماً ميقاتي والفريق الداعم له بـ “استباحة الشراكة الميثاقية ومخالفة الدستور وهدم ما بقي من بنيان الدولة”.
كما أنّ كلّ القوى المسيحية تقف ضدّ ما تصفه بـ “استيلاء” رئيس حكومة تصريف الأعمال على صلاحيات رئيس الجمهورية من خلال عقد جلسات تصادر توقيع الرئيس بثلاثة تواقيع لميقاتي على المراسيم!
رسالة لباسيل
الأمر الأهمّ أنّ قائد الجيش تقصّد إرسال رسالة واضحة لباسيل، في حال الفشل في انتخاب رئيس الجمهورية وعدم إجراء تعيينات في المجلس العسكري، تفيد باستحالة الذهاب نحو خيار تسلُّم الضابط الأعلى رتبة مهامّ قائد الجيش، مذكّراً بقانون الدفاع الذي ينصّ في مادّته الـ27 على أنّ “رئيس الأركان ينوب عن قائد الجيش في حال غيابه ويمارس مهامّه وصلاحيّاته طوال فترة غيابه”.
في الوقائع، الضابط الأعلى رتبة اليوم في الجيش هو عضو المجلس العسكري المتفرّغ اللواء بيار صعب (موقع كاثوليكي ضمن المجلس العسكري).
وفق معلومات “أساس”، بدأت المشكلة منذ تعيين صعب عضواً في المجلس خلَفاً للّواء الياس الشامية لأنّه كان نتاج خيار باسيل وميشال عون، فيما قائد الجيش كان يُحبّذ تعيين رئيس الطبابة العسكرية العميد ماهر أبو شعر.
يقول مصدر مطّلع لـ “أساس” إنّ “قائد الجيش تجاوز كلّ اعتبار في شأن عدم جواز حكومة تصريف الأعمال إجراء تعيينات لأنّ قانون الدفاع واضح في شأن تسلّم رئيس الأركان مهامّ قائد الجيش عند غيابه. وهذا الاحتمال وارد إذا استمرّ الشغور الرئاسي، أو انتُخب عون نفسه رئيساً للجمورية، أو انتُخب رئيس آخر من دون التمكّن من تشكيل حكومة قبل إحالة عون إلى التقاعد”.
أسماء الضبّاط المقترحة للتعيين
يتمسّك قائد الجيش، وفق المصدر عينه، بنصّ المادّة الـ19 من قانون الدفاع التي تفنّد المؤسّسات التابعة لوزارة الدفاع، وهي الجيش، المديرية العامّة للإدارة، المفتشيّة العامّة، والمجلس العسكري.
هذا يعني بمنطق قائد الجيش أنّ المجلس العسكري مؤسّسة مستقلّة عن الجيش تابعة لوزارة الدفاع ولا يمكن لضابط فيها أن يتسلّم مهامّ قائد الجيش، فيما هناك وجهة نظر مضادّة تأخذ بمبدأ استمرارية المؤسّسات، وبالتالي في حال عدم تعيين رئيس أركان فإنّ الضابط الأعلى رتبة، وهو ضابط الجيش اللواء بيار صعب، يتسلّم مهامّ “القائد”.
وفق معلومات “أساس” يقترح قائد الجيش تعيين قائد اللواء 11 العقيد حسّان عودة رئيساً للأركان، وقد وافق على خيار قائد الجيش النائبُ السابقُ وليد جنبلاط الذي كان يفضّل ضابطاً آخر. كما اختار عون نائب مدير المخابرات العميد رياض علّام مديراً عامّاً للإدارة (شيعي)، والعميد فادي مخول مفتّشاً عامّاً (أرثوذكسي)، وكان عمد قائد الجيش قبل نحو أسبوعين إلى فصل هذا الأخير إلى “المفتشيّة”. مع ذلك لم تُحسَم الأسماء بعد ولم يُعرَف رأي وزير الدفاع فيها لأنّه المخوّل برفع الاقتراح إلى الحكومة للتعيين، فيما هناك ضبّاط كثر مستحقّون للترقية إلى رتبة لواء بعد إقرار الترقيات إلى رتبة عميد.
مع تعيين رئيس الأركان والمدير العامّ للإدارة والمفتّش العامّ يكتمل عنقود المجلس العسكري الذي يسيّر أعماله اليوم، بموجب قرار حكومي، من خلال رئيسه قائد الجيش والأمين العامّ للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد مصطفى.
لكن ما تزال التعيينات تصطدم برفض وزير الدفاع موريس سليم رفع اقتراح بأسماء الضبّاط لتعيينهم انسجاماً مع قناعته بعدم صلاحيّة حكومة تصريف الأعمال إجراء تعيينات، كما أنّ ثمّة من يربطها بتعيينات أمنيّة وإدارية أوسع يصعب إقرارها في هذه المرحلة.
عون: شكراً برّي!
لم يقف الصراع المفتوح بين قائد الجيش وباسيل عند مسألة تعيينات المجلس العسكري ورئاسة الجمهورية، وعند الكيمياء التي لم “تَركب” يوماً بينهما. ففي كلمته أمام الضبّاط المترقّين، وجّه قائد الجيش “شكره لكلّ من سهّل توقيع مراسيم الترقية، ولا سيّما دولة رئيس مجلس النواب نبيه برّي ودولة الرئيس نجيب ميقاتي”. وقد بدا ذلك بمنزلة ردّ مباشر على باسيل الذي توجّه إلى “الضبّاط العمداء من دورة الأبطال لعام 94″، متحدّثاً عن “وقاحة من يمنّنوكم (بالترقية) بعدما حرموكم منها بالنكد والظلم، وبدّهم يطلعوا على ضهركم. ونحن منقلّن حلّوا عن ضهرنا”.
في العمق أثار توجيه قائد الجيش الشكر لبرّي استياء الشريحة الكبرى من الضبّاط ليقينهم أنّ مشكلة الترقية بدأت وانتهت في عين التينة، وأنّ حرمانهم حقّهم الطبيعي على مدى سنوات كان بسبب إيعاز برّي إلى وزراء المال المتعاقبين بعدم التوقيع على ترقيات ضبّاط الجيش من رتبة عقيد إلى عميد.
أمّا الظلم الأكبر فقد طال ضبّاطاً لم يكونوا موجودين في قاعة العماد نجيم في اليرزة، مقرّ الاحتفال بالترقية، لأنّ من وجّه قائد الجيش “الشكر له” كان المُساهم الحصري في عدم “تعليقهم” رتبة عميد وإحالتهم إلى التقاعد قبل أن ينبعث دخان الترقية الأبيض من مدخنة عين التينة.
مع ذلك، يقول مطّلعون إنّ قائد الجيش سعى طوال السنوات الماضية إلى تجاوز مطبّ الترقيات وتدخّل أكثر من مرّة لدى برّي للسير بها حفظاً لحقوق الضبّاط إلى أن صدر الخبر اليقين خلال زيارة العماد عون الأخيرة لعين التينة. وهو إخراج أثار أيضاً حفيظة رئيس الحكومة وردّ عليه بتأخير إصدار مراسيم الترقيات من جلسة 15 حزيران إلى جلسة يوم الأربعاء الماضي.
في المقابل، رَصَد بعضُ مَن في محيط باسيل “محاباة من جانب قائد الجيش لبرّي في غير محلّها ومكانها، وهي غير مفصولة عن الاعتبارات الرئاسية التي باتت تتحكّم بأدائه وخطاباته وشبكة اتصالاته”، على حدّ قول هؤلاء.