هل وافقت حكومة تصريف الأعمال على شطب الودائع وتسييل الذهب؟
كتب جاسم عجاقة في جريدة “الديار”
أصدر صندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي تقريره حول نتائج زيارة وفد الصندوق إلى لبنان، وفقًا للمادة الرابعة من النظام الداخلي للصندوق. واللافت في الأمر أن التقرير الذي حمل عنوان «2023 ARTICLE IV CONSULTATION—PRESS RELEASE»، حمل موافقة السلطات اللبنانية على الكثير من المقترحات التي قام بها الصندوق من دون معرفة مَن من السلطة وافق على التقرير وعلى مقترحاته. فما هي بالتحديد النقاط التي تُثير الريبة التي وافقت عليها السلطات اللبنانية؟ وما هي التداعيات؟
تقرير صندوق النقد الدولي المُمتد على 79 صفحة، أظهر نقاطًا متعارف عليها وتم طرحها سابقًا، سواء من قبل صندوق النقد أو من قبل البنك الدولي أو مؤسسات مالية ومؤسسات تصنيف عالمية. وتتضمن هذه النقاط: مقارنة بين سيناريوهين: الاول يُظهر الخسائر في حال إستمرّت الأوضاع على ما هي عليه – أي بدون إصلاحات إقتصادية ومالية وإدارية… والثاني يُظهر الأرقام نفسها لكن ضمن فرضية القيام بإصلاحات، بالإضافة إلى تحذير شديد بالأرقام من تداعيات عدم القيام بإصلاحات، ونقاش حول السياسات الواجب إعتمادها مع موافقة من قبل السلطات اللبنانية على كل إقتراح.
تركيز التقرير هو على القطاع المصرفي وعلى مصرف لبنان بالدرجة الاولى، حيث يعتبر التقرير ان المرور في هذا القطاع هو امر اساسي للنهوض من الازمة. وتُظهر السياسات المقترحة من قبل صندوق النقد، المقترحات التالية:
إعادة هيكلة القطاع المصرفي: وتنص على استعادة سلامة البنوك ومعالجة الخسائر المتراكمة. ويقول التقرير أن هذه العملية تحمي الودائع الصغيرة بالعملات الأجنبية في البنوك القابلة للحياة. ويقترح الصندوق إمكانية إتاحة سحب هذه الودائع بالعملة المحلية بسعر صرف السوق، على الرغم من أنها تخضع في البداية لسقف. كما يفترض أن تساهم الودائع المتوسطة إلى الكبيرة في استراتيجية إعادة تأهيل البنوك.
يقترح التقرير السيطرة على السياسة النقدية وتوحيد أسعار الصرف المتعددة الحالية في نهاية عام 2023 ، وهو ما يسمح بالحد من التضخم وتتباطأ وتيرة الاستهلاك الاسمي، مع استقرار معدل العائد الفعلي على الدخل بنسبة 20 في المائة عن مستواه قبل الأزمة.
تعمل السياسة المالية ، التي تركز في المقام الأول على زيادة الإيرادات، على تحسين التوازن الأساسي، مع خلق مساحة للإنفاق الاجتماعي والإنمائي. بحسب التقرير، يتم احتواء الآثار المضاعفة لهذا الدمج من خلال تكوين أكثر ملاءمة للإنفاق، وحقيقة أن تدابير الإيرادات ستقع بشكل غير متناسب على أولئك الذين لديهم ميل أقل للاستهلاك. وتساعد هذه الإصلاحات المالية الهيكلية تدريجياً على تحسين الإدارة الضريبية وإدارة المالية العامة وتجديد إطار المالية العامة؛
بحسب السيناريو الإصلاحي، ينخفض الدين العام إلى حوالي 80 في المائة بحلول عام 2027، مدعومًا بضبط أوضاع المالية العامة، وإعادة هيكلة الديون التي تعيد القدرة على تحمل الدين العام؛ يفرض التقرير إصلاح الشركات والمؤسسات المملوكة للدولة، بدعم من شركاء متعددي الأطراف. وهو ما يساعد على تحسين مركزها المالي كما تحسين خدماتها.
يُطالب التقرير بإصلاحات إدارية ومؤسسية واسعة تهدف إلى تحسين ثقة الناس في النظام، مع التوجه نحو خصخصتها في مراحل لاحقة. وبالتالي يستنتج التقرير أن النمو سيتسارع إلى حوالي 4٪ في عام 2025 ، ثم يستقر عند حوالي 3٪ على المدى المتوسط، بالتزامن مع تمويل ثنائي دولي والاتفاقية الموقعة بالفعل مع مصر للغاز مما يُضاعف عدد ساعات التغذية.
يعتبر التقرير أن سياسات نقدية متشددة وسعر صرف ضعيف يساعدان على تقليل عجز الحساب الجاري إلى حوالي 5٪ من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2027.
ويقترح التقرير سيناريو للودائع، حيث خفّض نسبة الإسترداد (Recovery Rate) من 60% سابقًا إلى 41% حاليًا ، حيث يعتبر ان التراجع هو نتيجة التأخير في الإصلاحات. ويعتبر الصندوق أن المكونات الرئيسية لهذه الأموال هي الإحتياطي الإلزامي وإحتياطي الذهب لدى مصرف لبنان، بالإضافة إلى صافي أصول البنوك في الخارج وأصولها بالعملات الأجنبية (القروض بشكل أساسي). ويعتبر التقرير ان السلطات اللبنانية وافقت على الإقتراح. وهنا يُطرح السؤال: مَن في السلطة وافق على التقرير؟
بحسب الدستور والقانون اللبناني، الكلمة الأخيرة في هذا الملف هي للمجلس النيابي، وهذا الملف لم يُعرض على المجلس النيابي. كما أن حكومة تصريف الاعمال لم تجتمع لدراسة التقرير، وبالتالي وبحسب الدستور فإن مجلس الوزراء هو من يملك صلاحية الموافق وإحالة الملف إلى المجلس النيابي، وهو أمر لم يحصل! وبالتالي، نعتقد أو الوفد المفاوض بشخص رئيسه هو من وافق على شطب الديون وإقتطاع الودائع وبيع الذهب… من دون موافقة حاكم المركزي (الذي هاجمه نائب رئيس الحكومة)، ولا موافقة وزير المال (نظرًا إلى موقف المرجعية السياسية لوزير المال).
من هذا المُنطلق، نرى أن هناك عددا من الأمور يتمّ تمريرها بين السطور من دون إتباع الاصول الدستورية والقانونية. ولا يحق لنائب رئيس الحكومة الموافقه عليها لوحده والقول أن السلطات الرسمية اللبنانية هي من وافقت! بالنهاية نائب رئيس الحكومة يُمثّل نفسه ولا يُمثّل الحكومة، خصوصًا أن هناك فريقا أساسيا في البلد يُعارض المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
يقول أحد الأصدقاء الذين شاركوني في نقاش عن هذا الموضوع: إذا أراد صندوق النقد شيئًا سيحصل عليه ، سواء وافقت الحكومة أم لا! قد يكون هذا الأمر صحيح، إلا أنه في بلد له سيادة (ولو صورية) ينبغي إتباع الأصول الدستورية والقانونية، وبالتالي أخذ موافقة الحكومة والمجلس النيابي ، أقلّه حفاظًا على هيبة الدولة.