اجتماع الدوحة يستبق مهمة لودريان بتعديل مهمته
كتب نقولا ناصيف في جريدة “الأخبار”
انتصفت مهمة الموفد الفرنسي الخاص جان ايف لودريان اجتماعيْ باريس والدوحة. زيارته الاولى توخى منها الاستطلاع. الثانية تفترض انه سيعود بتصوّر لحوار نادى به في المرة السابقة على انه مدخل الى انتخاب او تسهيلاً له في احسن الاحوال. بيد ان اجتماع الدوحة قطع الطريق عليه
بين الاجتماع الخماسي الأول في باريس في 6 شباط والاجتماع الثاني في الدوحة في 17 تموز طرأت تبدلات كثيرة:
اولها، تسمية الرئيس نبيه برّي في الاول من آذار النائب السابق سليمان فرنجية مرشح الثنائي الشيعي لرئاسة الجمهورية، ثم ملاقاة الامين العام لحزب السيد حسن نصرالله الترشيح في 6 آذار. مذذاك لم يعد في الامكان تجاوز الموقف الشيعي المعبَّر عنه بالثنائي ومرشحه، مصرّاً مرة بعد اخرى على تمسكه به.
ثانيها، انضمام باريس بلا افصاح الى ترشيح فرنجية خلافاً لما ناقشه الاجتماع الخماسي على اراضيها دونما تطرقه الى اسم اي من المرشحين او تزكيته، مخالفة بذلك شركاءها الى الطاولة قبل ان تضيف الى تأييدها الضمني هذا اقتراح اقران انتخاب فرنجية بوصول السفير نواف سلام الى رئاسة الحكومة، على انها تسوية متوازنة بين فريقيْ الاشتباك الداخلي.
ثالثها نشاط فرنسي عبر السفيرة في بيروت آن غريو لدى الافرقاء والكتل بغية تشجيعهم على انتخاب رئيس بناء على التسوية المقترحة، زاد في تبريره حتى عشية جلسة 14 حزيران ترشيح المعارضة الوزير السابق جهاد ازعور. بذلك انتظم ظاهراً على الاقل شرطا المنافسة واللعبة الديموقراطية.
رابعها، الايحاء بانتقال ملف لبنان من يد الى اخرى بتعيين الوزير السابق جان ايف لوديان موفداً رئاسياً خاصاً للرئيس ايمانويل ماكرون بديلاً من باتريك دوريل الذي حضر اجتماع باريس ثم غاب عن اجتماع الدوحة بأن حضره لودريان. تباين تفسير مغزى ابدال احدهما بالآخر، من غير ان تُضلل صفة الموفد الرئاسي الخاص المهمة نفسها. لم يخض فيها دوريل الا بصفته ممثلاً للرئيس. كذلك فعل ولا يزال لودريان. لم يُفهَم مذذاك هل ارتقى الاهتمام الفرنسي الى اكثر مما كان او تدنى. في كلا اجتماعيْ باريس والدوحة شاركت الدول الخمس بموظفين كبار لا على مستوى وزراء من شأنهم التلميح الى دلالة اكثر ايجابية. ليس لهؤلاء سوى التزوّد تعليمات اداراتهم وابداء الموقف في نطاقها دونما امتلاك اي منهم حق الاجتهاد قبل ان يعودوا الى الاصحاب الفعليين للقرار.
ليست الاحداث فحسب فصلت بين اجتماعيْ الدول الخمس. ما صدر عنهما كذلك اعطى اشارات تبَايَنَ تفسيرها: ان لا يصدر عن الاول في باريس بيان رسمي ما خلا تسريبات تولتها الخارجية الفرنسية، وان يكتفي بالحض على انتخاب رئيس دونما تحديد مواصفاته، وان يلوح باجراءات ترجمت في بيروت على انها عقوبات. اما ما صدر عن الثاني في الدوحة فأبعد بكثير مما سبقه واكثر اسهاباً في ما لا يدخل في وظيفته، المفترض انها مقصورة على التشديد على انهاء الشغور الرئاسي في لبنان. قال بانتخاب الرئيس. الا انه اضاف اليه مواصفات يصعب في الوقت الحاضر في ظل الاشتباك الحالي اعتراف كل من الفريقين بانطباقها على مرشح ما يحوز موافقته عليه. كرر اجتماع الدوحة ذكر اجراءات محتملة ضد معرقلي الانتخاب فُهِم انها ربما عقوبات. اما ما يتخطى الوظيفة الفعلية للدول الخمس ومرمى مهمتها في باريس ثم في الدوحة، فايرادها لائحة مطالب ليست في صلب انتخاب الرئيس كاستحقاق دستوري معطل. اقرب ما تكون الى بنود تسوية اكثر منها تكريس ثوابت قائمة: دعم تطبيق قرارات مجلس الامن والجامعة العربية واتفاق الطائف وتأكيد سيادة لبنان في اشارة ضمنية الى رفض الدول الخمس اي تدخّل خارجي في هذا البلد كما في الاستحقاق وشؤونه. كلا الاجتماعين اكدا ضرورة اصلاح الاقتصاد وتفاديا الاتيان على اسماء. لم يجلُ اجتماعا الدول الخمس فحوى التقدم الذي احرزه الثاني على الاول. كلاهما بقيا على مستوى الموظفين. الاكثر مثاراً للانتباه في ما انتهى اليه، وخصوصاً البيان الرسمي المعلن، تجاهله فرنسا ودعم مبادرتها وتكاد تكون الوحيدة الفعلية تنخرط في انتخابات الرئاسة اللبنانية.
رغم جلوس لودريان الى طاولة شركائه في الدول الخمس، لم يُشر هؤلاء من قريب او بعيد الى الدور الفرنسي الذي غالباً ما اظهر نفسه على انه جزء لا يتجزأ من تفاهم عربي – غربي على الاهتمام بلبنان. ذلك ما اتاح تأويل هذا التجاهل كما لو ان الملف اللبناني انتقل من يد باريس الى مجموعة الدول الخمس. كان من الطبيعي ان يُعثر في البيان الختامي على البصمة الاميركية في الدعوة الى تطبيق القرارات الدولية وفي المناداة بالاصلاحين المصرفي والقضائي، والعثور على البصمة السعودية في التمسك باتفاق الطائف وتطبيق القرارات العربية.
قبل وصوله الى بيروت استبق المسؤولون اللبنانيون زيارة الموفد الفرنسي الخاص ببضعة انطباعات:
1 – سواء كان الحوار قبل انتخاب الرئيس صائباً أم لا، الواضح ان لودريان يعود خالي الوفاض بموقف يدعم سعيه اليه، بعدما اقترحه في زيارته الاولى لبيروت وغض بيان الدوحة الطرف عنه كأنه ليس بين الاقتراحات المتداولة. انتقد الثنائي الشيعي البيان لخلوه من تأييده الحوار بينما رحب به الفريق الآخر. ليس ذلك سوى صورة مكملة للجلسات الاثنتي عشرة لانتخاب الرئيس. البرلمان موزّع بين نصفين تقريباً، كل منهما يملك الفيتو الطائفي والسياسي والدستوري. من دون احدهما لا انتخاب للرئيس.
مواصفات بيان الدوحة أضعفت في آن فرصتيْ فرنجية وقائد الجيش؟
حال الحوار مماثلة: ان يرفضه نصف اللبنانيين مؤداه ان النصف الآخر لا يملك ان يفرضه. غير ان تجاهل الدول الخمس الحوار يضاعف الاستعصاء برفض ذهاب الثنائي الشيعي الى انتخاب رئيس – ان لم يكن فرنجية – بلا ضمانات سياسية موثقة في اجتماع وطني. على نحو كهذا يمسي الحوار كانتخاب الرئيس مأزقاً ومشكلة لفريقيْ النزاع الداخلي.
2 – تبعاً للمعلومات لدى المسؤولين الرسميين، لم يخض اجتماع الدوحة في اسماء مرشحين محتملين للرئاسة اللبنانية. لا يعفي ذلك اياً من الدول الخمس ان تكون فكرة في اسم ترشحه او تطمئن الى وجوده على رأس الدولة اللبنانية. ليس خافياً ان الدولة المضيفة تؤيد انتخاب قائد الجيش العماد جوزف عون، وباريس لم تتخلّ بعد عن فرنجية، وواشنطن كما السعودية معنيتان بتعهدات المرشح لا باسمه ما دامتا متأكدتين ان اي رئيس منتخب للبنان لا يسعه ان يكون ضدهما.
3 ـ لم يحن اوان ظهور المرشح الثالث ما لم يُبدِ كلا الطرفين تخليهما عن مرشحيْهما الحاليين، فرنجية وأزعور، في معزل عن حظوظ اي منهما في الوصول الى الرئاسة. ليس الاصرار عليهما، ورفض كل منهما مرشح الآخر، الا تأكيداً على ان ابواب انتخاب الرئيس لا تزال موصدة بإحكام. ذلك ما اكدته جلسة 14 حزيران وأقلقت لودريان قبل وصوله الى بيروت، وعبّر امام مَن التقى بهم انه استشم منها إعطاباً لمبادرته حينذاك.
4 – ليست مواصفات الرئيس المدلاة في بيان الدوحة، الملتبسة والغامضة والمثالية الى حد عندما تحدثت عن نزاهته ومقدرته على جمع اوسع ائتلاف وطني شامل لاجراء الاصلاح في البلاد، سوى بديل من ضائع لم يُعثر عليه بعد. لكن المؤكد ان اياً من المرشحين الحاليين، فرنجية وازعور كما عون، لا يطابق المواصفات تلك ما دام اي منهم لا يحظى بأوسع تأييد يمكّن من انتخابه بنصاب دستوري سياسي.