راديو الرقيب
اقلاممقالات مختارة

الحكومة تؤجّل إقرار مشروع الاقتراض من الاحتياطي الإلزامي: خروج باهت لسلامة

كتب محمد وهبة في جريدة “الأخبار”

«وجهة استعمال الاحتياطيات الإلزامية بالدولار» كانت المحور الأساس في المؤتمر الصحافي الذي عقده النائب الأول لحاكم مصرف لبنان وسيم منصوري، أمس، في حضور النواب الثلاثة الآخرين سليم شاهين وبشير يقظان وألكسندر مراديان. منصوري الذي يتسلم اليوم مهام حاكم مصرف لبنان بعد انتهاء ولاية رياض سلامة، شرح كيف أنفق من هذه الاحتياطيات بمعدل 800 مليون دولار شهرياً على الدعم فقط، وأشار إلى أن احتياجات الحكومة للدولار لن تتوقف بعكس «احتياطيات المصرف المركزي التي لن تستمر إلى ما لا نهاية». لذا، لمّح منصوري إلى أنه لن يكرّر سلوك سلامة في إنفاق هذه الاحتياطيات بلا تشريع في مجلس النواب، وهو التشريع الذي من شأنه أن «يعزّز الاستقرار… ويعزّز قدرات المصرف المركزي على التدخّل في سوق القطع». هذه الوجهة التي رسمها منصوري ورفاقه الثلاثة ستواجه ابتداءً من اليوم التحدّي الأول، أي إقرار القانون المطلوب في مجلس النواب، وستتوغل أكثر في التحديات في اتجاه تحرير سعر الصرف وإدارته، ثم التعامل مع القطاع المصرفي المفلس.

يتّكل منصوري على خطّة أعدّها مع رفاقه الثلاثة، وتقوم على الدولرة النقدية شبه الكاملة مقابل تجفيف الليرات من السوق. بهذا المعنى، يمكن السيطرة على سعر الصرف وتحريره أيضاً. ويرى أن الأمر مؤاتٍ، لثلاثة أسباب؛ أولها أن الكتلة النقدية انخفضت من 80 تريليون ليرة إلى 60 تريليون ليرة «وبالتالي من المنطقي أن نشهد استقراراً في سعر الصرف»، وثانيها أن هناك حركة مغتربين ووافدين خلال فصل الصيف (بكل ما يحملونه من دولارات في جيوبهم)، وثالثها أن قدرة الحكومة على جباية الضرائب والرسوم يُقدر لها أن ترتفع إلى 20 تريليون ليرة شهرياً أكثر من نصفها ليرات نقدية، «وهذا يعني أنه من الناحية النقدية لن يكون لتحرير سعر الصرف تأثير سلبي على الاستقرار النقدي الذي نشهده حالياً».
ما يقوله منصوري هو أن الرواتب للقطاع العام ستُدفع بالدولار عبر «صيرفة» كما كان يحصل في الأشهر الأخيرة، وبالتالي فإن الإيرادات الضريبية ستمتصّ كتلة نقدية بالليرة من السوق كان يمكن أن تُستخدم لشراء الدولارات والمضاربة على الليرة، كما أنه في المقابل ستُضخّ كمية من الدولارات في السوق وفدت عبر المغتربين والسياح، ما من شأنه أن يوازن الاختلال في العرض والطلب. ورغم دقّة هذه المعطيات تقنياً، إلا أنها تثير أسئلة أساسية تتعلق باستدامة الاستقرار النقدي في ظلّ تحرير سعر الصرف. ففي الزيارة الأخيرة لممثلي صندوق النقد الدولي، أثيرت هذه النقطة تحديداً مع وزير المالية الذي أبلغهم بأنه سيسعّر الدولار في الموازنة على سعر «صيرفة» في سياق العمل على توحيد وتحرير سعر الصرف. أجاب ممثلو الصندوق بأن عملية تحرير سعر الصرف ممكنة، لكنّ استدامة الاستقرار النقدي والتوحيد هي التحدّي، إذ لا يمكن التنبؤ بهذا الأمر من دون صدور قرارات من السلطة المركزية تقارب الأزمة بشكل شامل.

إذاً، ما كان يقوم به رياض سلامة منفرداً قي قيادة سلطة نقدية تهيمن على السياسات المالية والاقتصادية، لن يجري تكراره في ظل حاكمية منصوري. الأخير سيحصر عمل المصرف المركزي بالسياسة النقدية ويتعاون مع الحكومة في السياسة المالية والاقتصادية. لكن من شروط ذلك، كما أشار، أن تقوم القوى السياسية بواجباتها بإقرار القوانين المطلوبة للخروج من الأزمة: إقرار موازنتي 2023 و2024، إقرار قانون الكابيتال كونترول، إقرار قانون إعادة هيكلة المصارف، إقرار قانون إعادة التوازن المالي. فمن دون هذه القوانين «لا يمكن إعطاء إجابة للمودع اللبناني حول مصير أمواله، ومتى يستطيع استعادة وديعته».

يقدّم منصوري إشارات في اتجاه مرحلتين؛ مرحلة انتقالية يتم فيها تحديد وجهة استعمال الاحتياطيات بالدولار وتحرير سعر الصرف بالتزامن مع دعم رواتب العاملين في القطاع العام وتأمين الاحتياجات الأساسية للدولة ضمن مدى ستة أشهر، ومرحلة ثانية يتم فيها إقرار القوانين التي تعالج الخسائر وتحدّد تفاصيل استرداد الودائع تمهيداً للتعافي والنهوض. المرحلة الأولى لن تكون سهلة رغم أنها أهون نسبياً مقارنة بالمرحلة الثانية. فهناك همس بين نواب مؤثّرين أنه لا ضرورة لإقرار قانون في مجلس النواب يشرّع الإنفاق من الاحتياطي الإلزامي، إذ إن قرار تحديد مستوى الاحتياطيات يعود للمجلس المركزي الذي سبق أن خفّضه ليحرّر بعضاً من الدولارات للاستعمال. بمعنى آخر، قد ترفض بعض الكتل النيابية إقرار هذا القانون، سواء بذريعة النقاش القانوني أو كونها لا تريد تحمّل مسؤولية استعمال الاحتياطيات التي تُصنّف بأنها أموال للمودعين، أو تحديداً ما تبقّى من الودائع. وبالمثل، يحاول نواب الحاكم ألا ينفقوا مما تبقّى من أموال المودعين، إلا بغطاء سياسي.

أما المرحلة الثانية، فتتعلق باتخاذ إجراءات وقوانين سبق للقوى السياسية أن رفضت اتخاذها وإقرارها خلال السنوات الأربع الماضية، رغم كل ضغوط صندوق النقد الدولي والتقدّم في المفاوضات معه وصولاً إلى توقيع اتفاق معه على مستوى الموظفين. فعندما وصل الأمر إلى الشروط المسبقة لإقرار الاتفاق النهائي، توقّف البحث في الخطوات المطلوبة. ممانعة القوى السياسية، قد لا تطول كثيراً، وستكون مجبرة مع نهاية ولاية سلامة وتولّي منصوري الحاكمية وامتناع الأخير عن تمويل الدولة بدعم من نوابه الثلاثة، أن تتولى مسؤولية ما.

استقرار نسبي في سعر الصرف

حتى مساء أمس كان سعر الليرة شبه مستقرّ مقابل الدولار، ولم يُسجّل أي تقلّبات عنيفة كالتي رُوّج بأنها قد تحصل إذا خرج رياض سلامة «يوماً ما» من المصرف المركزي. وعلى وقع الاحتفال الوداعي المفتعل الذي أقيم له أمس في باحة مصرف لبنان، وفي ظل توقف منصّة «صيرفة» عن استقبال إيداعات بالليرة، لم تُسجّل أي تقلبات حادّة في سعر الصرف حتى الساعة، بل يستمرّ المسار الانحداري في سعر الدولار ببطء شديد، وهو ما يعكس جفاف السوق من السيولة بالليرة، واتجاه الصرّافين والمضاربين إلى الاحتفاظ بالكتل النقدية لأطول فترة ممكنة في هذه الفترة التي تشهد تدفّقاً للدولارات نحو الداخل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock