باسيل: أعطوني الرئاسة الماليّة والشعبيّة.. وخذوا “القصر”
كتبت جوزفين ديب في “أساس ميديا”
منذ أكثر من شهر قال رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل في مقابلة تلفزيونية: “أعطونا اللامركزية الإدارية والماليّة وصندوق إدارة أصول الدولة… وخذوا الرئيس”.
يومها كان باسيل ما يزال “يتقاطع” مع مختلف أطراف المعارضة حول اسم المرشّح الرئاسي جهاد أزعور. في استعراض رسائله السياسية، قرأ مَن تقاطع معهم رئيس التيار أنّه “يلعب على الحبلين”، كما يقول مصدر معارض.
اليوم مع تكرار باسيل هذا الطرح، بعد سلسلة لقاءات جمعته مع مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في الحزب وفيق صفا، قرأت مصادر في “المعارضة” خطوته بأنّها تعبير عن “رغبته بالنزول عن الشجرة”.
غير أنّ خطاب باسيل هذا أمامه محاذير ومطبّات ليس من السهل إسقاطها. وهو يدرك ذلك. لذا تأتي مبادرته هذه إمّا للمناورة سعياً إلى كسب الوقت حتى كانون الثاني المقبل، تاريخ الإطاحة بالاسمين اللذين يعارض رئاستهما، سليمان فرنجية وجوزف عون، وإمّا لاستدراج عروض لتحقيق أكبر قدر من المكاسب في العهد المقبل.
لامركزيّة ماليّة وصندوق إدارة أصول الدولة
نصّ اتفاق الطائف على اللامركزية الإدارية. يدرك كلّ من ناقش قانون اللامركزية، الذي عمل عليه الوزير السابق زياد بارود في عهد الرئيس ميشال سليمان، أنّ اللامركزية الإدارية تتضمّن حتماً موادَّ تكرّس مزيداً من الاستقلال الماليّ، وتحديداً للبلديّات ولاتّحادات البلديّات. غير أنّ طرح اللامركزية الإدارية والماليّة يفتح باباً أوسع للاستقلال الماليّ لا يوافق عليه داخلياً الثنائي الشيعي ولا القوى السنّيّة، وخارجياً القوى الراعية لاتفاق الطائف على اعتباره قانوناً يتقدّم على اللامركزية الإدارية المنصوص عليها في وثيقة الوفاق الوطني، ويلامس بشكل أو بآخر كلاماً تقسيمياً مرفوضاً قطعاً داخلياً وإقليمياً ودولياً.
ماذا يريد الشارع المسيحيّ؟
في معلومات “أساس” أنّ النقاش هذا ليس محصوراً بالساحة “الوطنية”، بل هو ناشط أيضاً مسيحياً، لأنّ قانون اللامركزية الإدارية الذي ناقشته دوائر كنسية ورهبانية لا ينصّ على استقلالية ماليّة تتخطّى ما ورد في الطائف، بل ويراعي القوى الوطنية والطائفية المختلفة وهواجس كلّ فريق فيها. وبالتالي ما تزال اللامركزية الماليّة موضع بحث في تفاصيلها كي لا تؤدّي إلى شبه تقسيم أو إلى شبهات الإخلال بالتوازنات الداخلية.
كشفت مصادر الحزب، في تعليقها على طرح باسيل هذا، أنّ الحزب يناقش تنفيذ ما نصّ عليه الطائف فقط لا أكثر. فالحزب، عبر وفد نيابي، سبق أن ناقش القانون في اللجنة التي رأسها بارود. والحزب لديه ثوابت لا يتخطّاها في هذا النقاش، ويرفض قطعاً “الاستقلال الماليّ” الذي يتخطّى حدود البلديّات واتّحاداتها، وتقسيم المناطق على قياس “طائفي لا وطني”.
لذا اللامركزية الإدارية والماليّة التي يطلبها باسيل ليست ممكنة، خصوصاً أنّها بحاجة إلى مناقشة وطنية وتشريع ومراسيم تطبيقية غير ممكن تطبيقها حالياً.
أمّا صندوق إدارة أصول الدولة فهو بند لا يقلّ أهمّية عن البند الأوّل وسط معلومات تحدّثت عن أنّ باسيل يريد “رئاسة مسيحية لهذا الصندوق”، وبالتالي أن يكون قبوله بمرشّح الثنائي سليمان فرنجية مقابل رئاسته الصندوق الماليّ لأصول الدولة. فهل يقبل رئيس مجلس النواب نبيه برّي بهذه المقايضة، خصوصاً أنّ واحدة من المعارك التي خاضها الثنائي في السنوات الماضية هي “توقيع وزارة المال”؟
باسيل يعارض الإجماع المسيحيّ
بالإضافة إلى كلّ معوّقات تطبيق ما يطلبه رئيس التيار فإنّ أمامه تحدّيات تقابله في الساحة المسيحية، أبرزها:
– أوّلاً: بنى باسيل كلّ خطابه في الأشهر السابقة على رفض فرنجية لأنّه “يفتقر إلى التمثيل المسيحي”، ولأنّه “فاقد للقدرة على الحكم” ولكلّ الأسباب الأخرى التي لم تتغيّر في منطق خطاب باسيل، فكيف له اليوم أن يقنع جمهوره أوّلاً، والبيئة المسيحية ثانياً، بصوابية نزوله عن الشجرة، مقابل مطلبين هما مطلبان وطنيان يفترض تنفيذهما وطنياً لا فئوياً.
– ثانياً: استعاد باسيل شعبيّته التي فقدها من خلال خطابه المناقض لـ”فرض الثنائي رئيساً مسيحياً”، واستطاع أن يحسم لمصلحته كلّ النقاش الذي دار بين أعضاء كتلته حول صوابية خيار جهاد أزعور، بحجّة أنّه مرشّح “التقاطع المسيحي” بوجه محاولات فرض رئيس على المسيحيين. استعاد شعبية مسيحية، وأحبط كلّ محاولات التمايز عنه داخل التيار. فكيف له اليوم أن يعارض الإجماع المسيحي والعودة إلى كنف الثنائي؟ فهل يقول لبيئته إنّ معارضيه في التيار كانوا على حقّ وإنّ المقايضة مع الحزب على الرئاسة المارونية أصبحت مقبولة؟
بانتظار عودة لودريان
سيعود الموفد الفرنسي جان إيف لودريان في أيلول فاتحاً باب التسوية على مصراعَيها. حتى ذلك الوقت سيكون آب شهر المناورات السياسية والحوارات الثنائية وغيرها. فإذا عاد باسيل إلى “بيت الطاعة”، ولو تحت مسمّيات عدّة، فهل يحظى مرشّح الثنائي عندها بدعم خليجي ودولي؟
لا مؤشّرات إلى ذلك حتى هذه اللحظة.
إذاً هل يستطيع عهد محور الممانعة الصمود 6 سنوات مقبلة من دون إمدادات خارجية؟
بعد فشل المبادرة الفرنسية الأولى التي سعت إلى رئاسة فرنجية تحوّل خطاب “الثنائي” إلى “رافض للتدخّلات الخارجية”. وهو ما يعني أنّه يرفض النسخة الجديدة التي وضعت فرنجية “بين آخرين”. غير أنّ ما يجب إدراكه قبل فوات الأوان أنّ رئاسة محور الممانعة مع باسيل للعهد المقبل سيقابلها حتماً “عدم تدخّل الخارج”. فهل هو مستعدّ فعلاً لذلك؟