“الحوار الثنائي” بين حزب الله وباسيل جدّي حول “المقايضة”
كتبت دوللي بشعلاني في جريدة “الديار”
لا يزال رئيس “التيّار الوطني الحر” النائب جبران باسيل ليس مئة في المئة مع قوى المعارضة، التي “تقاطع” معها على اسم المرشّح لرئاسة الجمهورية الوزير السابق جهاد أزعور، وليس مع حليفه الشيعي”حزب الله مئة في المئة. ولهذا قدّم باسيل طرح “المقايضة” الى الحزب للقبول بإيصال مرشّح “الثنائي الشيعي” رئيس “تيّار المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية الى قصر بعبدا. وتضمّن هذا الطرح في بنوده الكثيرة، عنوانين أساسيين هما: تطبيق اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة، وإنشاء صندوق الإئتمان. علماً بأنّ هذين البندين يتطلّبان أن يتمّ إقرارهما من خلال تشريعات في مجلس النوّاب. فأين وصلت “إعادة اللحمة” بين باسيل والحزب، وهل يمكن أن يوافق الحزب على مطالب باسيل، بعد أن كان يرفضها في فترة سابقة؟!
رأت مصادر سياسية عليمة أنّ شهر آب الجاري يشهد تواصل الحوار بين باسيل ومسؤول وحدة التنسيق والارتباط في حزب الله وفيق صفا، الى حين حصول اللقاء بين الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله وباسيل، في حال جرى التوصّل في نهاية الأمر الى التفاهم حول مطالب هذا الأخير. فالمقايضة الرئاسية التي أعلن عنها باسيل في خطابين سياسيين له في كلّ من المتن والشوف، هي موضع دراسة ونقاش من قبل الحزب، كما في “الحوار الثنائي” الذي بدأ بين الطرفين إثر إعلانها، ويستمرّ الى حين عودة المبعوث الشخصي للرئيس الفرنسي الى لبنان جان إيف لودريان المتوقّعة في أيلول المقبل. علماً بأنّ زيارة المبعوث الفرنسي الثانية هذه الى لبنان ستكون الأخيرة له، بعد أن عيّنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منذ أيّام، رئيساً لوكالة التنمية الفرنسية في العُلا، المسؤولة عن التعاون مع السلطات السعودية لتطوير السياحة والثقافة في هذه المنطقة الغنية بالآثار والمواقع، وسيلتحق بمهامه الجديدة في تشرين المقبل.
أمّا مضمون المقايضة التي يحاور باسيل الحزب عليها، فتتناول إقرار اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة، والصندوق الإئتماني وعناوين أخرى من ضمنها الكابيتال كونترول، وملف إعادة النازحين السوريين، على ما أوضحت المصادر، مقابل موافقة نوّاب تكتّل “لبنان القوي” على التصويت لفرنجية خلال جلسة أو جلسات الانتخاب المقبلة، الأمر الذي قد يوصله الى قصر بعبدا، في حال تأمّن النصاب القانوني من قبل كتلٍ أخرى. فالـ 15 صوتاً المضمونة من قبل “التيّار” لمرشّح “الثنائي” من شأنها رفع الأصوات التي حصل عليها فرنجية في جلسة الانتخاب الـ 12 الأخيرة، وهي 51 صوتاً الى 66 صوتاً. كما يمكنها خفض أصوات مرشّح المعارضة أي أزعور من 59 صوتاً الى 44. فكيف إذا لم يصوّت نوّاب “اللقاء الديموقراطي” له أيضاً، وعدد أصواتهم ثمانية أو تسعة؟!
وبالنسبة لإقرار اللامركزية الإدارية والمالية، تقول المصادر نفسها انّ “وثيقة الوفاق الوطني” قد نصّت عليها في الفقرة الثالثة تحت عنوان “الإصلاحات الأخرى”، وتضمّنت خمسة بنود تحدّثت عن أنّ الدولة ذات سلطة مركزية قوية، وعن توسيع صلاحيات المحافظين والقائمقامين، وإعادة النظر في التقسيم الإداري، واعتماد اللامركزية الإدارية الموسّعة على مستوى الوحدات الصغرى (القضاء وما دون) وعن اعتماد خطّة إنمائية موحّدة شاملة للبلاد. في حين أنّها لم تذكر اللامركزية المالية، إلّا في مسألة الخطّة التي تهدف الى تطوير المناطق اللبنانية وتنميتها، وتعزيز موارد البلديات بالإمكانات المالية اللازمة. في الوقت الذي يطرح فيه باسيل اللامركزية بشكل موسّع أكثر، والتي هي نقيض مفهوم المركزية، وإحدى أهمّ مبادىء حكم الأكثرية التي تقوم عليها الديموقراطية، وتتضمّن عملية توزيع الوظائف، والسلطات والأشخاص والأشياء بعيداً عن السلطة المركزية.
أمّا صندوق الائتمان، على ما تابعت المصادر، فيشمل إدارة أصول الدولة، أي كلّ ما يتعلّق بها، وهو ليس أمراً سهلاً في ظلّ وجود الصلاحيات التي نصّ عليها “اتفاق الطائف” لكلّ من رئاسة الجمهورية والحكومة ومجلس النوّاب. فأصول الدولة هي جميع المرافق العامّة والخاصّة والتراخيص والامتيازات التي تملكها الدولة والشعب معاً… وكانت جمعية المصارف قد اقترحت في وقت سابق وضع يدها على أملاك الدولة، التي هي ملك للشعب والأجيال المقبلة، سواء عبر الخصخصة المباشرة أو اقتراح إنشاء صندوق سيادي يضمّ أصول الدولة وممتلكاتها على أن تعود عائداته اليها مئة في المئة، وذلك لاسترجاع حميع الأموال التي سلّفتها للدولة، خلال عملية الإفلاس الممنهجة للبنان وشعبه.
وهذان مطلبان وطنيّان، وفق المصادر عينها، لا يتعلّقان بأشخاص معيّنين أو بطموحات شخصية، إنّما بمصالح الدولة والشعب على مدى الـ 15 أو الـ 20 سنة مقبلة على الأقلّ، وليس فقط للسنوات الستّ من العهد المقبل، وقد يشمل الصندوق استعادة الأموال المنهوبة والمهرّبة الى الخارج. وكان ثمّة اقتراح بإنشاء الصندوق السيادي لفترة زمنية محدّدة، وفتحه أمام المغتربين اللبنانيين، وعدم وجود تكتّل احتكاري يهيمن عليه، وألّا تزيد أي حصّة فيه على 3 في المئة، مع اعتماد ما يُعرف بالسهم الذهبي للدولة وحقّ الاعتراض. ولهذا يجب معرفة التفاصيل المتعلّقة بهذين البندين، وإذا كانا موضع اتفاق عليهما من قبل سائر الكتل النيابية بعد حزب الله، وخصوصاً أنّهما يتطلّبان إقرار تشريعات لهما في مجلس النوّاب، كون تطبيقهما قد يستمرّ لعقود مقبلة عديدة.
وفي الوقت الذي لا يبدو فيه واضحاً حتى الآن ما سيكون عليه موقف الحزب من هذين الطرحين البارزين، مع أرجحية توافقه مع باسيل على “المقايضة الرئاسية”، في حين يوافقه على ضرورة إعادة النازحين السوريين الى بلادهم لتخفيف الأعباء التي تتكبّدها الدولة اللبنانية، جرّاء استضافة أكثر من مليونين ونصف نازح سوري على أراضيها، تجد المصادر أنّ الحوار الذي يجري بين الحزب وباسيل هو حوار ثنائي جدّي ومستمرّ، ومن شأنه أن يفتح كوّة ربّما في جدار الأزمة الرئاسية، لا سيما مع عودة لودريان المرتقبة.